Friday, December 18, 2015

مواقف عميقة في المستشفى | ضحكة طفل

يصعب عليّ أن أرى شخصًا يتألّم.. ربّما لهذا السبب كان من المنطقيّ أن أصبح طبيبة! 
في السنتين الأساسية في كلية الطب لم نتعامل مباشرة مع المرضى إلا في بعض الحالات المحدودة.. أحدها حين نظمت اللجنة الاجتماعية زيارة للمرضى المتنومين وبالصدفة كنت من ضمن المجموعة التي ستزور عنبر الأطفال.. كانت تلك أول مرة أرى فيها أطفالًا مصابين بالسرطان أو بالأمراض المزمنة.. تعلّقت فيهم بشدة وزرتهم مرة أخرى مصطحبة معي كمًّا هائلًا من الألعاب والهدايا.. مرّت الأيام والشهور ووصلنا للسنة الرابعة، وكان من ضمن خطّتنا الدراسية منهجًا اختياري واخترت أن يكون طب الأطفال -لا أعرف لماذا؟- وفي أول يوم لي قررت الانسحاب! لم احتمل رؤية الأطفال في ألم.. وضيقٍ.. وبكاء.. صورة الأطفال في ذهني دائمًا سعيدون باللعب وكلّهم حيوية ونشاط فكيف أراهم ممدّين على السرر البيضاء ووجيههم ملؤها البراءة والملائكية ولا حول لهم ولا قوة.. انفطر قلبي ولكنّ قرّرت أن أتغاظى وأتناسى خوفي ومضت الأيام.. إلى أن أصبح طب الأطفال مقرّر لا بدّ منه! وبدأت رحلة الثلاثة أشهر.. 

صعب جدًا أن تكون شخصًا مرهف الإحساس ودمعتك دائمًا قريبة منك وتحاول دائمًا في كل مرة أن لا ترتبط عاطفيًا بالمرضى! كنت تائهة مابين نارين.. نار أن أكون أنا ملاك التي تهتم كثيرًا، تحب باندفاع، تتأثر سريعًا وحسّاسة جدًا والبعض يخبرها أن شخصيتها لا تصلح لأن تكون طبيبة أصلًا، ونار أن أثبت أني لا أهتم ولا أبالي وأجرّد نفسي من المشاعر كي أصلح أن أكون طبيبة! وكانت الأيام الأولى فعلًا صعبة.. فلا أنا أود التعلق بهم ولا أنا أود أن أكون بلا مشاعر! أريد أن أصل لحالة وسطية أرجوكِ يانفسي!! 

الحقيقة أن الأطفال حتى وهم في عزّ مرضهم تجد فيهم روحًا سعيدة.. روحًا تتطلّع للأمل وللمستقبل.. وتجد في أمهاتهم صبرًا مهما بدا القلق عليهنّ، تجد الأمهات متعطّشين لأي كلمة من الفريق الطبي المعالج، يرفعون أيديهن بالدعاء وقلوبهن كلها أمل وإيمان بأنه لا شفاء إلا شفاؤك ياالله.. 

ذات يوم  كنت مع الطبيبة وذهبت معها لرؤية أحد المرضى.. كانت ذاهبة لتخبر الأهل بأن حالة الطفل منهكة.. وأنهم قرروا بالتعاون مع الفريق الطبي وفق البنود والحالة الطبية أن يعلنوا بأن الحالة -DNR- أي عدم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي - لا أعرف لماذا ذهبت ولكن أعرف أنني مهما كتبت أو وصفت الموقف لن أستطيع أبدًا أن أوصله كما كان، وبرغم أني كنت أرتجف من داخلي وشعرت بأن دقات قلبي أصبحت متسارعة وقدماي لا تحملاني.. إلا أنّي استمدّيت هدوئي من والدة المريض.. غريب جدًا أن يحصل العكس وأن المريض يطمئن الطبيب ولكنّي كل يوم أؤمن بأن الدروس التي أتعلمها من المرضى تفوق كل الدروس التي تعلمتها من الكتب الطبية! عدت للمنزل ذاك اليوم وأنا أبكي.. بكيت لأني أدركت كمية النعم التي أنا غارقة فيها وأنا لا أشعر.. وبكيت يأسي وحزني ومللي وضعف نفسي أمام الحياة.. 

مع مرور الأيام وحين تدرس وتكتسب المعلومات وتعتاد على الروتين اليومين تزداد ثقتك نوعًا ما فيزول الضغط الذي كنت فيه.. وهذا ماحصل.. أصبحت علاقتي مع المرضى أكثر من مجرد تاريخ مرضي أكتبه أو فحص أطبقه والسلام.. لأول مرة تسمح لي الفرصة بأن أكون أنا أنا معهم.. وصرت أزورهم.. أحفظ اسمائهم.. أشاركهم اللعب وأنسى نفسي معهم!
يومًا بعد يوم، أحببتهم.. لمسوا نقطة عميقة في قلبي لم يصل لها أحد! وجدت منهم قوة لي ودافع لأن أكون كل يوم أفضل من نفسي التي كنت عليها في الأمس.. وتعلمت الصبر.. والأمل.. والابتسامة في كل الأحوال.. 

والأمهات يالله. عرفت الآن لماذا جعل الله الجنة تحت أقدامهنّ! كم هي نعمة كبيرة أن تصبح المرأة أم وكم هي مسؤولية أكبر.. حين يتحول عالمكِ من اهتمامك بنفسك فقط ليشمل طفلك، حين تنسي نفسك من أجله وتتغاضي عن انشغالاتك والتزاماتك وخططك فقط لتقضي الليل مع طفلك المحموم.. حين تتغير أولوياتك في الدعاء في وتركِ لنفسك لتصبح أول دعوة لأطفالك.. حين تكونين أم.. أنتِ جنة الدنيا وجنة الآخرة هي تحت أقدامك.. 

صحيح أننا قضينا ثلاث أسابيع فقط في طب الأطفال ولكني أشعر وكأنها عمر.. كيف تحولت من أول يوم لهذا اليوم وكيف صار قلبي أرقّ وأحن! ومازلت أحاول أن أصل للوسطية في مشاعري.. شخصيتي أبدًا لن تمنعني من أن أصبح طبيبة أفضل! العلم في كل الكتب والمواقع وبإمكان أي شخص أن يقرأ ويتعلم.. ولكن المريض لا يحتاج هذا العلم فقط إنه يحتاج منّا كثيرًا من الإنسانية.. وهذا ماسيجعلك طبيبًا أفضل: حين تعالج مرضاك وتحبهم لأنهم أهلك! وهنا تكمن قمّة الإنسانية. 
بغضّ النظر عن خلفيات المرضى الاجتماعية، دياناتهم، معتقداتهم، لونهم، جنسيتهم، وكل شيء قد يصنفهم.. أنت لا تصنّفهم ولا تحكم عليهم بأي شيء لأنك ستعالجهم وتعاملهم كأنهم أهلك. 

لا أحد فينا يحتمل رؤية شخص مريض، فكيف لو كان طفلًا.. ولكنها نعمة عظيمة حين يختارك الله ويسخّرك ويجعل شفاء هذا الطفل وضحكاته وعودته ليلعب في المنزل مع إخوته من -بعد إذنه- على يدك أنت! 



ملاك المرغوب، 
الجمعة، ١٢:٤٣ ص 
١٨ ديسمبر ٢٠١٥م 

Tuesday, October 27, 2015

أنا.. مريضة..

أنا ملاك، طالبة في السنة الخامسة في كلية الطب والجراحة.. كل حياتي متمحورة حول أني سأكون -بإذن الله- طبيبة المستقبل التي تعالج المرضى.. 
إلا أن الموازين انقلبت، وصرت أنا المريضة! 
ليس خطبًا جللًا فمرضي ليس إلا فقر دم حاد ونقص شديد في الفيتامينات والمعادن والصراحة أني مازلت مصرة على رأيي وأنه ليس مرض! هي مجرد أرقام تزداد وتنقص ويبدو أن أرقامي نقصت بما فيه الكفاية لتسبب لي مشاكل صحية أعتقد أنها أكبر من عمري قليلًا.. يعني على سبيل المثال: صارت تؤلمني ركبتي لدرجة أنها تمنعني من المشي، وإذا مشيت رغمًا عن الألم: أعرج! 
عمومًا.. أزعجني شعوري بعدم قدرتي على المشي أكثر من شعوري بالألم الشديد -شخصيًا أنا إنسانة متصالحة مع ألمي الجسدي ويمكنني احتماله والتعايش معه بلا خصام ولكن القضية الآن اختلفت وتحولت من مجرد ألم أشعر به لألم يمنعني من المشي- حقيقةً أرعبتي فكرة عدم مقدرتي على القيام بالأشياء التي لطالما كان من الطبيعي جدًا أن أقوم بها لدرجة أني واستغفرالله على هذا الذنب أنسى أن أحمد الله عليها، أرعبتي فكرة أن أُعاق حركيًا لا سمح الله فلا استطيع المشي وبدأت الأفكار السيئة كلها تجول في خاطري ليل نهار،، صبح مساء،، وأخيرًا استسلمت وتوجهت للمشفى!  

هذه المرة أنا المريضة.. ومن شدة غرابة الدور لم استطع ممارسته وعُدتُ لكوني طالبة الطب التي تتعلم وتتدرب، فصرت أكرر الأدوية والجرعات التي تقولها الطبيبة وأحفظها وأحاول ترتيبها بطريقة معينة ليسهل علي استرجاعها لاحقًا إذا سُئلت عنها ووحده الله يعلم كم كان صعبًا علي أن لا أكتب الخطة العلاجية والتاريخ المرضي في الدفتر وأسجل الملاحظات المهمة! 

اليوم أخذت الجرعة الأولى من الحديد، كنت وحدي، دائما أكون وحدي في المشفى ولكنها المرة الأولى التي أكون فيها مريضة! رغم أني صديقة جيدة للحُقن وأحبها ولا أخاف منها -حينما كبرت طبعًا- إلا أن خوف صغير جدًا كان يكبر بداخلي ويتكاثر.. 
كان يومًا عاديًا على الكل إلا أنه كان مختلفًا بالنسبة لي، حفظت كل الوجوه التي قابلتها، كل الكلمات التي قيلت لي.. ابتسامة الممرضة الأولى ولا مبالاة الممرضة الأخيرة.. صوت الطبيبة وهي تتحدث معي.. موظف الاستقبال الذي وجّهني للعيادات والبرد الشديد الذي شعرت به وهو يتسرب لجسدي وكأنه ينخر عظامي من شدته!  

لم أكن أود الذهاب للموعد، فعلًا لا وقت لدي الآن لصحّتي! كل شيء بخير.. أو كل شيء يمكنه الانتظار حتى أجد الوقت المناسب للتصرف فيه تجاه هذه الأعراض المزعجة.. لم الآن تحديدًا اشتد الألم؟ يالله أكره مذاق الفيتامين السيء الذي لا يختفي حتى في العصير الذي تقول والدتي أنه يخفي الطعم.. وأكره حبة الكالسيوم التي أمضغها كل ليلة قبل أن أنام.. كأني عجوزٌ لم يبقَ لها من العمر شيء! وأكره المواعيد الطويلة هذه.. إلى جانب أني لست مريضةً أصلًا! 

حكم القوي على الضعيف! ذهبت وكانت ساعتين مليئة بالصمت وبالسكون.. بحديث مع النفس.. بتفكر وتدبر وحمد.. كل هذه المواعيد المتتالية التي تسرق من وقتي والتي أتذمر منها، شخص آخر في جغرافية أخرى في العالم يتمنى أن يحصل عليها أو على الأقل على موعد واحد فقط.. كل الأدوية التي لا استطعمها شخص آخر لا يستطيع أن يتذوقها حت،،  وتكلفة العلاج في واحدة من أهم المنشئات الطبية شخص آخر أيضًا لا يستطيع الوصول لها حتى في أجمل أحلامه الوردية.. 

أنا مليئة بالحياة وبالتفاؤل وبالرضا، وأقول أنا لأني أحب أن أنسب السعادة لي وأحب أن أنسبني للسعادة والفرح! وحينما تمر علي فترة أكون فيها أقل تفاؤلًا وسعادة وأكثر ضيقة وتذمر أعرف أن شيء ما سيحدث وسيجدد علاقتي بالله! العلاقة التي تبرد لأني أنشغل وأنسى أنه سبحانه يدبر الأمر كله ويكون علي فيه أحن من نفسي.. لك الحمد سبحانك كيف أن مرضي الذي لا أعتبره مرضًا اعتبرته طريقة جديدة للتدبر في نعمك علي، وطريقة جديدة أحبك فيها أكثر وأشكرك وأحمدك فيها على نعمك أكثر.. صحتي، عافيتي، نومي، دراستي، انشغالي وحياتي كلها نعم عظيمة من عندك فلا تحرمني خير ماعندك بسوء ماعندي.. وأنا لا أطلب إلا رضاك يارب فارضَ عني لأرضى.. 

لم أكن أخطط للكتابة عن شيء ولكنها خواطر جالت ببالي وأحتجت أن أكتبها.. كيف يأتينا لطف الله حتى في الشدائد؟ كيف تكمن الإلهامات العظيمة في الابتلاءات التي نصبر عليها؟ وكيف أن المؤمن دائمًا أمره كله خير! 




ملاك المرغوب 
الثلاثاء، ٢٧-١٠-٢٠١٥ 
٩:٠٠م 
جدة، السعودية 

Tuesday, September 1, 2015

من لي سواك؟

وأحبك، 
وأحب كل خطأٍ يقربني إليك.. 

وأعلم أنك الوحيد الذي 
تقبلي بأخطائي وتنقّني منها.. 

وبالإحسان تأخذني 
وتثبّت قلبي بعدما تقلّب، إليك.. 

ياربّ، من لي سواك من خلقك 
ولمَ أرجوهم وأنت أقرب إليّ! 

لو كنت في شرق البلاد أو كنت في غربها، 
فوق التراب أو تحته، فأنا لا أتوسّل إلا إليك.. 

ولو لدي حاجة أود قضائها، بكلمة كن 
منك، تقضيها إليّ، وتختار الخير لي.. 

من لي سواك ياربّ يقبلني، 
بزلّاتي، بأخطائي، بنقصاني ومعصيتي.. 

ومن لي سواك يارب يضاعف الحسنة
فتصبح عشرات وتكرمني، وتغدقني بإحسانك.. 

كيف أطلب منك حبًا آخر غير حبي إليك، 
اكفِ قلبي بك يارب، ولا تحوجه إلا إليك.. 

املئني رضا، إيمان، حب وسكينةً 
واكتبني من أحب وأقرب الناس إليك.. 

أحبك يارب، 
فارزقني حبك وحب كل عملٍ يقربني إليك، 
واجعل حبي هذا خالصًا إليك. ❤️ 

ملاك المرغوب 
الثلاثاء، ١-٩-٢٠١٥ م 
١١:١٦ م 

Monday, August 3, 2015

مواقف عميقة في المستشفى | وصارت أم!

 
كان الكلام ممتلئ في رأسي والمشاعر المتضادة كلها شعرت بها لحظتها. مابين خوف وذهول كتمت أنفاسي، ترقب وانتظار، عينان مليئتان بالدهشة، لسان يسبّح الله وقلب لا يشعر سوى بالامتنان لأمي! 

يالله.. كم هي طويلة دقائق الانتظار.. مليئة بالترقب والخوف والرهبة والألم.. وبرغم أن القلب وجِل والعينين شاخصة للسماء تبكي والألم يعتصر الجسد.. قطرات العرق تغطي الجبين، اليد تشد على اليد بقوة، حديث يدور لا يُفهم وأضواء قوية تعمي البصر، رائحة معقمات المستشفى تفوح في الجو، جسد مكشوف وأصوات مزعجة، طبيب يصرخ: "خدي نفس".. هذا كله تغيّر منذ الصرخة الأولى والبكاء الأول! 

تبدّل الخوف لحب والرهبة لحنان.. صارت العينين تبكي من الفرحة والقلب يرقص طربًا لبكاء الطفل الجديد.. 
تحوّلت علامات الألم لأمل، والتعب لسعادة وكل آه لـزغروطة فرح وللحمدلله.. 
كأن الفرق بين المشهدين سنين عديدة ولكنها في الحقيقة ثوانٍ معدودة تمثلت في بكاءٍ حاد! كأن الألم الطويل الذي عانت منه الأم لساعات تفوق التسع ساعات انمحى! كأن الحِمل الذي كان ثقيلًا عليها في التسعة أشهر الفائتة اتنسى! كأن الليالي الكثيرة التي سهرتها من ألم بطنها لم تحدث! وكأن صباحاتها المتتالية التي كرهتها بسبب الغثيان لم تكن! 

لمعة العين التي كانت تعكس دموع الألم والخوف تحولت لأمل، لحب، لحنان، لامتنان ورحمة واحتواء! 
كأنها قبل بكاء الطفل كانت شخص والآن هي شخص آخر تمامًا، الحنان في نظرة الأم في ثوانٍ أودعه الله لها.. 
وصارت: أم. 
هذا الحدث وحده كفيل بالتتويج والاحتفال! هذا الحدث هو أهم حدث في حياة أي امرأة. أن تخرج روحًا من أحشائها وأن تصبح السكن والمأوى لهذه الروح الجديدة! أن تكون الأمان له إذا تمرّد عليه العالم، أن تكون القلب الذي لا يمل ولا يكل من تصرفاته الغير متوقعة! هذا حدث يستحق الانتظار تسعة أشهر، يستحق البكاء المتواصل والمزاج المتقلب ونظام الحياة المختلف والمقلوب رأسًا على عقب.. 

كل هذا حدث وأنا في قرارة قلبي أتمتم: ياربّ كن حنونًا مع أمي كما صبرت عليّ وحنّت! يارب أمي.. يارب أمي.. يارب أمي.. وأنت أحنّ عليّ منها وأنت أرقّ عليّ منها وأنت أعظم وأنت أكرم وأنت أرحم. 

نزلت من عيني دمعة تبعتها دمعات أخرى.. فكّرت.. ماذا لو كنت أنا؟ هل سأتحمل؟ هل سأصبر؟ هل سأحب الطفل الذي سلب مني حياتي التي أعيشها بحرية وهل سأضحّي من أجله حتى يكبر؟ هل سأترك طموحاتي وأحلامي الكبيرة من أجل أن أسهر الليل معه لينام؟ هل سعادتي بنجاحه تفوق سعادتي حينما أنجح أنا؟ وهل سأتغيب عن العمل لأنه متوعّك ويحتاجني بجانبه أهدهده؟ أو هل سأعتذر عن موعد مع صديقاتي لأني سأذهب معه لحفلة عيد ميلاد صديقه مثلًا؟ 

وفي المقابل تذكرت أمي.. 
كم مرة حرمت نفسها من أشياء كانت تنتظرها العمر كله لكي توفر لنا لعبة! وكم مرة استيقظت من نومها لأن أحدنا كان يبكي! وكم مرة صبرت على طيشنا، مراهقتنا، جنوننا ولا مبالاتنا وأنانيتنا التعيسة! وكم مرة آثرت سعادتنا على سعادتها! كم دمعة ذرفتها في جناح الليل حتى نستيقظ الصباح ونرى أمانينا محقّقة! وكم مرة كانت منهمكة في المطبخ تعد الغداء لنا فاحترقت يدها من الفرن! وكم مرة حدث الشيء نفسه حين كانت تكوي لنا ثيابنا! كم مرة وكم مرة وكم مرة.. 

هذه المرة حين حضرت الولادة اختلفت نظرتي.. صحيح أن جوارحي كلها سبحت الله على إعجازه الذي شهدته وصحيح أن دهشتي كانت كفيلة بأن تجعلني أردد: (فتبارك الله أحسن الخالقين) صدق الله العظيم! 
ولكن جوارحي كلها كانت تتمتم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ أمي ثم أمي ثم أمي.. 

لو صرت أمًا، أكبر أمنياتي أن أكون نسخة مصغرة عن أمي. بكل تفاصيلها، بضحكاتها الخجولة وابتسامتها البسيطة وروحها الطاهرة.. بعصبيّتها وتوبيخها لنا وخوفها علينا.. بكل شيء.. بكل شيء.. بكل شيء.. 

أحبك ياأمي! وأدعو الله أن يرزقني برّك ووالدي ماحييت، وأن أكون ابنة ترفع ذكركم عاليًا في الأرض وفي السماء السابعة وعند الله بين الملائكة ❤️

 
ملاك المرغوب. 
هذا ماحدث في غرفة الولادة في العاشر من يوليو ٢٠١٥. 
مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز، جدة، السعودية. 
كُتبت بتاريخ ٣٠ يوليو ٢٠١٥. ٦:١٢ صباحًا. 
مابين دبي، الإمارات العربية المتحدة واسطنبول، تركيا. 

أنا ووالدتي العزيزة سامية صدّيق في صبنجة، تركيا 
الجمعة، ٣١ يوليو ٢٠١٥م 

Wednesday, July 29, 2015

يومًا ما، سنسافر معًا!

يومًا ما ستجمعنا هذه المطارات الكثيرة.. يومًا ما سنلتقي.. 
سنسافر سويًا، وسويًا سنرى الغيوم تغازل بعضها والشمس ضاحكة لها.. 
يومًا ما، أخيرًا لن أشعر بالخوف لأن يدك تحتضن يدي حين تقلع الطائرة وحين تهبط.. 
يومًا ما، سنصنع ذكريات كثيرة في الطائرة! ذكريات تكون فيها أنت الحبيب وأنت القريب وأنت أجمل حدث في العمر. 
يومًا ما، سندور حول العالم كله، سنبدأ ببرج ايفل وفي سور الصين العظيم سننتهي.. 
يومًا ما، سنعيش الحضارات كلها معًا، سنرتدي الثوب المغربي في مراكش وسنرقص في الهند بلا خجل.. 
يومًا ما، سنجنّ معًا لدرجة أننا سنتسلق جبال الهيمالايا، وسنتزلّج في سويسرا ونصنع رجل الثلج الأفضل.. 
يومًا ما، سنتشمس سويًا في شواطئ هاواي، وسنبني قصرًا لنا من الرمل تكون فيه الملك وأنا الملكة المدللة بالطبع.. 
يومًا ما، بلا تردد ولا خوف سنقوم بأخطر قفزة في العالم وسنصرخ بأعلى صوت وبعدها سندخل في نوبة ضحك.. 
يومًا ما، سنقوم برحلة في البحر، سنغوص ونسبح ونفشل مرات عديدة في اصطياد سمكتنا إلّا أننا أخيرًا سننجح.. 
يومًا ما، سنتجول في الغابات الاستوائية ويبلّلنا المطر، وباسترخاء لا مثيل له سنقضي وقتنا في جزر المالديف.. 
يومًا ما، سنزور فيرونا، المدينة التي شهدت قصة روميو وجولييت وتحت الشرفة سنكمل نحن القصة التي كُتب لها أن تنتهي.. 
يومًا ما، الحب سينجح في إعادتنا لزمن الطفولة، وهكذا سنقضي يومنا في ديزني.. 
يومًا ما، سنلتقط صورًا لنا في كل مكان في العالم! والحب ثالثنا، والعشق بيننا لا ينتهي.. 
يومًا ما، سأقرأ خاطرتي هذه وأنا معك.. ونحن ننتظر نداء رحلتنا إلى فينيسيا.. بلد الحب.. فتبتسم لي.. ابتسامة تفتنني.. وأقع في حبك للمرة اللانهائية! وصدقني حبيبي، من حبك، لن أكتفي. 


ملاك المرغوب 
الخميس؛ ٣٠-٧-٢٠١٥ م
مطار دبي؛ الإمارات العربية المتحدة 
في انتظار رحلة اسطنبول؛ تركيا 

Sunday, July 26, 2015

سأظل انتظر،، لن أمل الانتظار..


متى أكف عن الإنتظار، عن الاحتراق شوقًا وعن البكاء.. متى سيُكتب لنا لقاء قريب؟ 
مللت شوقي إليك، مللت لهفتي عليك وغيرتي.. مللت فرق التوقيت بيننا ومللت من أن بلدًا آخر يحتويك غير الذي يحتويني وأن الشمس تشرق عليّ في وقت بينما عندك الشمس تغرب.. متى نلتقي؟ 

طالت الغربة.. طال حنيني إليك وازدادت المسافات بيننا.. أ مِن العدل أن تجمعني الحياة بك بضع أيام وتبعدني عنك العام كله.. 
كم مرة تمنّيت فيها أن تكون معي، نستيقظ في الوقت نفسه، وصباح الخير نقولها في الوقت نفسه.. في المكان نفسه.. وتعانقني حتى أشعر بأنّك لن تترك الغربة تأخذك مني مرة أخرى، ولن تبتعد.. 

متى نلتقي، متى توحّدنا البلاد ونتوحّد بالزمان نفسه ومتى نستقر؟ متى أكف عن طرد الأوهام من رأسي كلما سمعتهم يقولون "بعيد عن العين، بعيد عن القلب".. متى سأكف عن الكتابة بهذا البؤس كلما سمعت أغنية بالية عن السّفر والغربة.. متى سأكف عن البكاء إذا سمعت نجاة تغنّي يامسافر وحدك أو طلال يدندن أنا راجع أشوفك.. متى سأكتفي من النظر للصور لأنك أنت: معي. 

ياحب القلب والروح اعذر طيشي وتسرعي وشتائمي وغيرتي المجنونة ودموعي التي لا تنتهي كلما اشتقت إليك وحالت الأوقات بيننا.. أنا مازلت انتظرك مهما طالت المدة.. مهما انقضى العمر ومهما صار لقاءنا أمل ضئيل.. عاهدتك على الإخلاص وأنا مازلت باقية على وعدي، مازلت مخلصة للحب الذي بيننا ومازلت أنتظرك.. مازلت أنتظر نجاحك على أحرّ من الجمر ومازلت أعد الأيام الباقية على عودتك قريبًا من عيني.. قريبًا من القلب.. 

لك أنتظر العمر كله، ومن أجلك أرفض كل الرجال ولعينيك أكتب ومن أجلنا نحن سأظل أصلّي وأدعي الله أن يقرّبنا مهما ابتعدت المسافات.. وسأظل انتظرك.. لن أمل الانتظار.. 

ملاك المرغوب 
الاثنين؛ ٢٧-٧-٢٠١٥ م 
٧:٢٥ ص 
دبي؛ الإمارات العربية المتحدة 

Thursday, June 18, 2015

و الآن، اشتاقتكِ عينيّ!

إلى جدتي التي رحلت منذ خمسة سنوات.. 
كتبت لكِ في رمضان السابق "بلا عينيكِ" 
وأتى رمضان هذا، مشتاق لكِ، لعينيكِ، لصوتكِ، لبسمتكِ وضحكاتكِ الطاهرة.. وأنا ياجدتي.. اشتاقتكِ عينيّ.. 

كنت متماسكة هذه السنة، قاومت دموعي ليلة رمضان، لم ترمش عيني بدمعة حتى، ظننت أني تغلبت على صدمتي بوفاتك وكل الذي فعلته قبل أن أنام هو أني استودعت ذكراكِ عند الله.. ولكن اليوم حينما دعى إمام مسجدنا "اللهم ارحم من رحلوا عنّا وما صاموا معنا رمضان وعلّي منزلتهم في جنتك" خارت قوّتي، صرت أبكي وأبكي وأبكي.. أبكي بصمتٍ لأني أقدس ذكراكِ، لأني أقدس ذكرى رحيلكِ، لأني أقدس ذكرى وفاتك ولا أحب أن يشاركني في حزني أحد! هذه جدّتي وحدي، هذه أمي وحدي، هذه حبيبتي وحدي، هذه جدتي التي تناديني "ملوكة" بصوتٍ رقيق ملائكي وهي وحدها التي يحبها قلبي كل يوم أكثر حتى بعدما أخذها الموت مني! لا أريد أن يشاركني في حزني عليكِ أحد، ثمّة أحزانٍ مقدسة لا نسمح للآخرين أن يشاركونا بها. 

جدتي: أنا أعلم أنكِ ترفلين في ثياب من سندسٍ وأنك تنعمين في الجنة، أنا أعلم أنك الآن مرتاحة جدًا، مطمئنة جدًا وسعيدة جدًا.. وهذا الشيء الذي يهون علي.. لأني كلما تذكرت وهنك وضعفك وقلة حيلتك في أيام مرضك طردت الذكرى من بالي بشدة.. لا أحتمل أن أتذكر ألمك.. لا أحتمل أن أتذكر أني لا أستطيع فعل شيء حيال مرضك! لا أحتمل أن كل شيء كان بيدي فعله هو رؤيتك ممدّدة على السرير الأبيض.. والكدمات تغطي يديكِ من أثر الإبر.. 

جدتي: أحبك! أحبك كل يومٍ أكثر من سابقه، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد نفيها أو إنكارها. تصدقين ياجدتي مازلت أحتفظ بمنديل شعرك الأبيض، مازالت رائحتك به! مازلت أحتفظ بمشط شعرك، مازلت أحتفظ بصورة تجمعني بك ومازلت أسترجع ذكرياتي معك كل ليلة لأني أخشى أن أنساها وأنساكِي.. 

جدتي: أكثر ما يحزنني أنكِ رحلتِي قبل أن تباركيني وأنا بالبالطو الأبيض، رحلتِي قبل أن أبشركِ بأني سأصبح طبيبة.. بأني سأكون بعد الله سببًا من أسباب رحمته.. بأني سأهوّن ألم العباد.. بأني سأراكِ في وجه كل مريضٍ يأتيني فأداوي نفسه بكلمتي الطيبة قبل أن أداوي جسده وبأني سأكون طبيبة إنسانة لأني ماكنت لأرضى لكِ طبيبًا في مرضك إلا الطبيب الإنسان ياحبيبتي.. وكل مرة أتحدث فيها مع مريض ويخبرني بأني لطيفة معه أبتسم وأتذكركِ وأقول اللهم اجعلني أعامل مرضايَ وأحبهم كأنّهم جدتي وحنّن قلبي عليهم كما حنّنت قلبي على جدتي.. 

جدتي: مازلت أتذكر آخر لقاءٍ بيننا.. مازلت أتذكر دمعتي التي نزلت على كفنك الأبيض الطاهر.. مازلت أتذكر ومازالت تقتلني الذكرى ياجدتي.. 
هل صحيح أنكِ رحلتي ياجدتي؟ أصحيح أننا افترقنا لأنكِ فقط تحت الأرض وأنا فوقها؟ أصحيح أن بضع حفنات من التراب تجعلنا نفترق؟ 
حينما توفّاكِ الله طلبت الله أن يلهمني كثيرًا طريقة أتذكركِ بها دون أن أحزن؛ فالحزن فتق قلبي! والحمدلله الذي ألهمني أن أدعي لكِ في سجودي.. في قيامي.. في صلاتي.. وقبل كل عملٍ صالحٍ أنويه.. بعدها فقط أصبحت الحياة ممكنة! لأن الأيام الأولى التي تأتي بعد فراق من نحبهم تكون أنفسنا مشغولة بالصدمة.. وبعدها نستوعب أن الفراق هذا أبديّ في حياتنا الحالية.. وندخل في دوامة اكتئاب عميقة لا نخرج منها إلا حينما يلهمنا الله بأن لنا لقاء في حياة أخرى ويقوّي إيماننا.. والدعاء الذي لازمني منذ فقدك "اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف بقلبي الذي يحب جدتي.. لا تجعل الحزن يستوطنه واملئني يقينًا وإيمان ورضا بقدرك" 



جدتي: أحبك للمرة المليار والمليون ولأبعد حدّ! واشتقتك أضعاف أضعاف هذا الحب! 


حفيدتك الصغيرة التي لن تكبر عن حبّك أبدًا: ملّوكة. *كما تحبين اسمي* ❤️ 


هذا دعائي لجدّتي، تذكروها في صلاتكم وأمّنوا معي.. 
"اللهم إن جدتي نزلت بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبحت فقيرة لرحمتك وأنت ياغني غنيٌّ عن عذابها. اللهم وأنت تعلم.. أنها لو كانت ضيفتي لأكرمتها، فأكرمها بجودك ياواسع الكرم ياجوّاد ياكريم ياقدير" 
"اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم وسّع قبورهم، نوّرها، اعطهم ولا تحرمهم وارزقهم لذّة النظر لوجهك الكريم، اللهم ارزقهم عفوك عند الحساب ومنزلة في الفردوس بجوار الحبيب المصطفى، وصلى اللهم وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين" 

اللهم آمين. 

Friday, April 3, 2015

مواقف عميقة في المستشفى | حبيبتيّ، في الجنّة!




في الأمس كنت بصيرًا، واليوم أنا ضرير.. 
في الأمس كانتا حبيبتيّ معي، واليوم إن صبرت على البعد سيعوضني الله بالجنة.. 




يوم عادي آخر، كنا ندرس فيه طب العيون، كان كل شيء ممل وروتيني، محاضرات تتبعها تدريبات على الفحص ثم نذهب لمنازلنا لندرس ويتكرر اليوم مثل سابقه بلا شيء جديد يذكر. 

إلا اليوم! كل شيء اختلف! 

 كنت واقفة مع صديقتي في العيادة لكي نتعلم من الطبيب كيفية الفحص وماإلى ذلك حتى جاء مريض فقد بصره للأسف وكان على الطبيب أن يخبره بذلك، الموقف بحدّ ذاته جعلني أشعر بأن الاوكسجين لا يكفي داخل العيادة! شعرت بضيقٍ في النفس وبحرارة تسري في جسدي، شعرت بدقّات قلبي سريعة جدًا ولوهلة مااستطعت تمالك نفسي وخرجت من العيادة.. 

ذهبت بعيدًا وحدي، جلست في صمتٍ وسكون، أول مرة أكون فيها بهذا الهدوء وبهذه الحالة، استعرضت شريط حياتي أمام عيني وتخيلت لو للحظة كنت فيها مكان المريض وفقدت أنا بصري.. 

هذه أول مرة -والله يسامحني على ذلك- أستشعر فيها نعمة البصر، حمدت الله ألف مرة على نعمه، وأعتقد أني أول مرة أحمده بهذا العمق وبهذه الروحانية وبهذه الحاجة، ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة.. 

الحوار الذي حدث بين الطبيب والمريض لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتي، لمست ضعف المريض وأمله بأن يسترد بصره ولمست تعامل الطبيب مع الموقف، كيف قوّى إيمانه بالله وكيف في الوقت نفسه لم يتعاطف لدرجة البكاء أو لدرجة التخفيف عنه لحدٍ غير مقبول.. 

أحيانًا موقف يحدث لمريض يجعلك أنت تتغير! يفتح أمام ذهنك آلاف البوابات المغلقة ويجعلك تسأل وتتأمل وتفكر مليًا في كل شيء حولك.. أشياء صغيرة جدًا لا نشعر بعظمتها إلا إن فقدناها، روتين يومك الذي اعتدت عليه وتتذمر منه شخص ما آخر لا يستطيع أن يعيشه مثلك! 

أختم خاطرتي بقول خير الأنام حبيبنا سيدنا ورسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام مرويًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصير عوضته منهما الجنة -يريد عينيه-) 


*الموقف حدث لصديقتي ميرال أبو الجدايل وكتبته نزولًا عند طلبها، شكرًا لها *  



الجمعة.
٣ ابريل ٢٠١٥م. 
١٠:٠٠ م 

Sunday, March 29, 2015

مواقف عميقة في المستشفى - مريض، لا يُنسى!

أن تكون منسوبًا لأحد المجالات الصحية وأن يكون دوامك يوميًا في المشفى يعني أنك تقابل عشرات المرضى على الأقل في اليوم الواحد.. 

كل مريض له قصّة مختلفة، كل مريض يستحق منا كامل الاهتمام والاحترام، والأهم من ذلك أن كل مريض يمثل عائلة! يعني يمثل مجتمعًا كاملًا ولديه من الأحباب والأقارب والمعارف مالا يعد ولا يحصى.. 

من المرضى من تمر عليه وتنساه بعد ساعة، منهم من تنساه بعد يوم أو أسبوع أو شهر حتى ومنهم من يعلق بذاكرتك للأبد! يمكن جدًا لمريض أن يغير نظرتك للحياة وأن يجعلك تقضي كامل يومك وأنت تفكر.. 

هذا ماحدث لي اليوم.. تحديدًا حين قابلت مريضًا بالسرطان لأخذ التاريخ المرضي منه، هذا المريض جعلني أغرق في دوامة من الأسئلة.. 
هل أنا قادرة على مقابلة مرضى مشخصين بأمراض لم نكتشف علاجها حتى اليوم ولا شيء في يدنا غير الانتظار أو اعطائهم مسكنات للألم؟ 
هل أنا قادرة على أن أكون طبيبة في المستقبل وأنقل خبر تشخيص بمرض سيؤثر على المريض وعلى كل من حوله؟ 
هل أنا قادرة على نقل خبر وفاة إحدى المرضى لعائلته؟ 
هل أنا قادرة على إخبار مريضي الذي قضيت معه أكثر من سنين في العلاج والآن اكتشفنا أن كل العلاجات فاشلة؟ 
هل سأكون قادرة على الاستيقاظ كل يوم لأقابل مرضى من خلفيات متعددة.. منهم الغني الذي بإمكانه أن يسافر للعلاج وأن يمتلك فريقًا طبيًا مسخرًا لأجله فقط؟ وآخر يتوفى وهو ينتظر أن تنتهي معاملته ليتم ادخاله لأحد المستشفيات الحكومية لأنه لا يملك في الأساس قوت يومه فكيف يملك ثمن العلاج؟ ومريض آخر يزور الطوارئ كل شهر لأن الطبيب نسي أن يسأله عن حالته الاجتماعية وصرف له دواء باهظ الثمن والمسكين لا يقدر على شراءه؟ ومريض آخر يئس من كل شيء ولا يريد أن يكمل جلسات علاجه ويود الموت في سلام بينما عائلته تبكيه ولم تفقد الأمل بعد؟ ومريض آخر بقدر تفائله وحبه للحياة وإصراره على محاربة المرض إلا أن مرضه لا نتيجة له سوى الموت؟ ومريض آخر ينتظر زيارة من أهله، ينتظرهم بشوقٍ وكل يوم يسأل عنهم وللأسف هم تخلوا عنه في أشد حالات حاجته؟ ومريض آخر في غيبوبة لسنين طويلة وعائلته تزوره كل يوم وتدعي الله ولم تيأس ولم تستسلم بعد؟ 
هل أنا فعلًا اخترت الطب من أجل هذا؟ أو هل فكرت يومًا في أن الطب سيكون قاسيًا ومؤلمًا لهذا الحد؟

المريض الذي قابلته اليوم كان في العشرينات من عمره، بلا أي مقدمات ولا أي عوامل خطر شُخّص بالسرطان في مراحل متقدمة، خلال بضعة أشهر فقط تغيرت حياته بالكامل وانقلبت رأسًا على عقب. للأسف لا يملك ثمن العلاج ولذلك لجأ لأحد المستشفيات الغير مؤهلة وأجرى عملية استئصال للورم ولم تكن ناجحة فاضطر للذهاب لمستشفى آخر وللأسف حدثت مضاعفات بعد العمليه جعلته يلازم المستشفى أكثر من شهرين.. 
السرطان الذي شخص به غير قابل للعلاج، وكل الذي بيد الطبيب -حتى الآن- هو أن يخفف ألمه بالأقراص وأن يجدول له المزيد من الجلسات الاشعاعية والعلاجية.. 

ونحن نناقش حالته مع الاستشاري، شعرت بالحزن، لأني ضعيفة جدًا ولا شيء بيدي سوى مشاهدته وهو يتألم للباقي من عمره. خطر على بالي ألف موقف وموقف، عائلته، أحبابه، زملاءه في العمل وقائمة لا تنتهي! 
لعنت في نفسي المرض ألف مرة، لعنت الخوف والضعف وفي لحظة ما فكرت "ليش حطيت نفسي هنا؟ ليش اخترت ادخل طب؟ ليش ماأحوّل عشان محا أقدر أتحمل" 

من ألطاف الله بنا أنه يرسل لنا رسائل من خلال مواقف تذكرنا بأنه معنا، إحدى الرسائل هذه كانت اليوم، حيث وصلت للجزء السادس في ختم القرآن الكريم وتحديدًا لسورة المائدة وبينما كنت اقرأ وصلت للآية الثانية والثلاثون في قوله تعالى (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعًا) وقفت عند الآية وصرت أبكي، بكيث مثل طفلة- حرفيًا-، بكيت لأني برغم ترديدي لهذه الآية دومًا إلا أنها أول مرة تلمسني بهذا الشكل، كل الأسئلة التي خطرت في بالي وجدت إجابتها هنا، أنا لا أريد أن أقتل نفسًا بغير نفس ولكني أريد أن أحيي النفوس من حولي! إن كان يحزنني أن بعض الأمراض لم يكتشفوا لها علاجًا بعد، إذن أنا سأعمل جاهدة على اكتشافه! صحيح أن الفكرة تبدو جنونية ولكنها ليست مستحيلة! ثمة أمراض كثيرة كانت تهدد البشرية والآن تم القضاء عليها تمامًا لأن الأشخاص آمنوا بفكرتهم وعملوا جاهدين لأجل تحقيق الهدف وحققوه. لا يهم كم زمنًا سيستغرق هذا الاكتشاف أو كم شخصًا سيعمل عليه أو كم فشلًا يسبق النجاح، المهم أنه سيتحقق في الأخير بإذن الله لا محاله. 

كل الأسئلة وجدت إجابتها، وصرت أقول لنفسي 
كل يومٍ سأستيقظ في الصباح وأنا متفائلة لأني أعمل جاهدة في مجالي، ويوجد آخرون يعملون بجهد وجد في مجالاته وسنكمّل بعضنا ونتعاون
كل يوم سأكون على يقين بأنه مثلما سخّرني الله فإن الله سخّرك أنت وسخره هو وسخرها هي وسخر الجميع لأجل قضية ما. 
كل يوم سأكون مؤمنة بحلمي، لن أسمح لأي شخص في العالم بأن يسرق مني إيماني أو أن يزعزع ثقتي فيه. 
وصحيح أني سأقابل في المستقبل مرضى لا يمكن علاجهم سأقابل أيضًا مرضى سأكون سببًا بعد الله في شفائهم. 
وصحيح أيضًا أني سأقابل عائلات أخبرهم بوفاة شخص عزيز لديهم سأقابل أيضًا عائلات أخبرهم بنجاح العملية أو أبشرهم بقدوم فرد جديد للعائلة. 

الأحداث السيئة توجد، والأحداث الطيبة توجد أيضًا، الفرح موجود والحزن أيضًا موجود ولكن وحدك من تقرر كيف تتعامل مع كل حدث وكيف تتخطاه. الحزن لا يدوم والسعادة لا تدوم، ولكن رؤيتك أنت ستقرر هل تتراجع وتستسلم أو تكمل في طريقك وتحارب كل شيء وتصل! 


اللهم اكتب الشفاء على كل المرضى وخفّف عنهم وعلّي منازلهم في جنّتك بقدر صبرهم على الألم وإيمانهم بك. وارزقنا نحن الهمة واللطف في مساعدتهم ولا تحرمنا جميعًا من الأجر. 


* لقراءة سلسلة مواقف عميقة في المستشفى:
رابط الجزء الأول: malakmarghoub.blogspot.com/2014/11/blog-post_11.html 
الجزء الثاني (بين العلم والانسانية): malakmarghoub.blogspot.com/2014/11/blog-post_21.html


ملاك المرغوب 
الأحد ٢٩ مارس ٢٠١٥م
١٠:٣٠ مساء 

Monday, March 23, 2015

شريكي، كيف سيكون؟

في نقاش طويل مع أحد الأصدقاء عن الارتباط وعن مسألة شريك العمر، استطعت أخيرًا أن أوضح وجهة نظري.. 

مشكلتي مع الارتباط: مشكلة فكرية
لأني مؤمنة بأن الارتباط والحياة الزوجية لا تقتصر على فستان أبيض وليلة فرحٍ كبيرة ومن ثم ننجب أطفالًا وتستمر بنا الحياة.. 
الارتباط في نظري أعمق إلى حدٍ ما وأبسط! 

بدايةً، لا توجد لدي مشكلة مادية. الحمدلله أني أستطيع التعايش مع البساطة بل إني أفضل العيش بها، وبإمكاني وبكل حب أن أشارك في بناء حياتنا من الصفر، وعلى البساط الأحمدي! بكل رضا وبكل سعادة نفسية.. 
لكني لا أستطيع أن أقبل بشريك حياة أقل مني أهدافًا، حلمًا، طموحًا وفكرًا! 
مثلما أنا مليئة بالحياة، بالحب، بالطموح، بالأمل وبالبياض، أريده أكثر مني تفاؤلًا، تحديًا وإصرارًا. 
الرجل الذي يعتقد أن وجوده في حياتي هو الذي سيضيف لي الحياة، أنا في غِنى عنه! الرجل الذي يعتقد أن حياتي واقفة عليه، وأن أحلامي كلها غدت حقيقة حين قابلته، أنا في غنى عنه أيضًا. أنا في غنى عن أي شخصٍ يظن أن له الأفضلية في علاقتنا أو أن حياتي بدون حضرته لا تساوي شيء.. 
الارتباط في نظري يعني أنه مثلما هو يكمّلني فأنا أكمّله، مثلما قوّته تقوّم أنوثتي فعاطفتي أيضًا تليّن صلابة منطقه، رجلاً يقدر كياني ويقدر وجودي ولا يلغيني ولا أسيطر عليه. 

على الرغم من أني أحب البساطة في كل شيء، بل حتى في العلاقات العاطفية أنا أؤثر كلمة حب صادقة تبقيني اليوم كله شاردة الذهن أفكر فيها على أن تأتيني كنوز الدنيا كلها ولا أشعر معها بحبٍ يدغدغ مشاعري، حب يوقظني الليل لأفكر به هذا إن استطعت النوم أصلًا! ويملؤ روحي بالحياة.. إلا في الارتباط فإن معاييري في البساطة فيه مختلفة! ولست بسيطة للحد الذي يجعلني أرضى بأن أتنازل وأن أعيش حياة عادية مع رجل عادي وعائلة عادية تمر على الدنيا وترحل دون أثر يُذكر.. 

ملاك المرغوب 
٢٣ مارس ٢٠١٥

Saturday, March 21, 2015

جنّتي السّامية

ستّ الحبايب، ياحبيبة~
ياأغلى من روحي ودمي~
ياحنينة وكلك طيبة~
ياربّي يخليكي ياأمي~
ياستّ الحبايب، ياحبيبة~


في عيد الأم أقول لأمي: كل يومٍ وأنتِ عيدي، فرحتي، دعواتي المستجابة وابتهالاتي. 
كل يومٍ وأنا أستمدّ طاقتي منكِ، أتقوّى بدعواتك وبها أعيش أيامي.
كل يومٍ وأنا أستيقظ الفجر وأراكِ تدعين الله وتقولين "يارب، أبنائي! كن لهم.. يارب، أبنائي! احفظهم بعينك التي لا تنام.. يارب، أبنائي!". 
كل يومٍ وأنا أتعلم منكِ كيف أكون امرأة قوية في الحق وشديدة على الباطل، امرأة صارمة ذات رأي حكيم وحنونة في الوقت نفسه. 
كل يومٍ وأنتِ سرّي الذي أناجي به الله، أدعوه في وِتري وفي صلواتي أن يديمكِ أجمل وأعظم نعمة في عمري وأن يحفظكِ من الزوال. 


أذكر حين تعلمتُ الكتابة أول مرة وأنا في المرحلة الابتدائية كنتُ أستقي من حبك أغنى إلهام لمشاعري، رغم أن لغتي ركيكة وخطّي سيء لا يُفهم وتعبيري بسيط جدًا وكلماتي مرصوصة بلا ترتيبٍ منطقي، إلا أنكِ كنتِ تستقبلين رسائلي وتنتظرينها في كل مناسبة بكل شوقٍ ولهفة.. مازلت أرى نظرة الحب في عينيكِ كلما فتحتِ صندوق الرسائل القديمة واستعرضتيها أمام الأقارب، كيف "أحبك ياماما وأوعدك ماأقربع دولابي تاني" كفيلة بأن تجعل عينيك تدمع حين تقرئين الرسالة التي مضى عليها أكثر من عشر سنين وماتزالين تبتسمين بنفس الامتنان واللهفة.. 
أول رسائل حبٍ كتبتها في حياتي: كانت إليكِ! وكل رسالة لغير عينيك لا تُحسب ولا تُعد.  


سامية: هو اسم أمي وأنا لا أخجل من والدتي أبدًا وأفخر بها بين كل الأنام وأقول اسمها بصوتٍ عالٍ. لا أخجل من كونكِ تركتِ دراستك ولم تحصلي حتى على شهادة الثانوية ومع ذلك جعلتيني وإخوتي نمحور حياتنا كلها حول طلب العلم، نحبّه، نفني العمر من أجله، ودائما أنتِ ووالدي تذكروننا بأن الله لا يترك طالب العلم وأنكم ترون أحلامكم فينا. المعنى الحقيقي لجملة "أحب الخير ليكم أكتر من ما أحبو لنفسي، وأفضلكم دايما عليّا" آمنت به وصدقته وعرفته منكِ أنتِ ووالدي!  
سامية، ومنكِ تعلمت كيف أسمو بمشاعري وأحلامي، كيف لا أرضى بالقليل وكيف لا التفت لأي شيء تافه وكيف لا ينشغل بالي! 
سامية، ومنكِ تعلمت النُّبل في الأخلاق كيف يكون، وكيف يكون التغاضي.. كيف أطلق بصري في السماء أتاملها، كيف أترك الأرض وأحلامها المحدودة وأطمح دومًا للهدف العالي!


ماما؛ الكلمة السحرية التي كلما ناديتها اطمئن قلبي لأني أعلم أنكِ لن تتركيني ولا للحظة أبكي دون أن تبكي معي وتمسحين دمعاتي، الكلمة التي إذا ناديتها مهما كنت غاضبة من الحياة أو عاتبة على بعض البشر أو كنت أشعر بالضيق فيكون ردّك والطيبة التي تغمر ملامح وجهك أكبر شاهدٍ على صغر كل المشاكل هذه وهوانها. كلما أبكتني الحياة تصالحيني معها وتجعليني أنسى كل الغضب وأتخطى مرحلة العتاب وأمضي ولا أفكر بالماضي.. 


أنتِ ياأمي..
برجي العاجي! فيكِ أماني، منكِ سلامي وإليكِ اطمئناني. 
أنتِ ياأمي..
جنّتي وقِبلة حياتي! تحت قدميك جنّة الآخرة ومن رأسك حتى أسفل قدميك أنتِ لي جنّة دنياي وحضنك هو فردوس أيامي. 


كل عيدٍ وأنتِ معنا، وحضنكِ هو أهم عنوانٍ في حياتي. 
كل عيدٍ وأنتِ ترفلين في أجمل ثيابك وبكامل صحتك وجمالك. 
كل عيدٍ وأنا أهنئكِ بأعيادك، وأكتب لكِ أحبكِ ياأمي يانور أيامي. 
كل عيدٍ وأنا أحرفي تزداد جمالًا لأنها حاولت فقط أن تنال شرف مجاراةِ طهرك ونقائك. 


أحبك ماما، وأعرف أني لو قضيت عمري كله في الكتابة عنكِ فأنا لم ولن أوفيكِ ولو قليل إحسانك، ولو قضيت عمري كله تحت قدمكِ أقبّلها فلم ولن أوفيكِ صرخة ألم أثناء حملك بي أو أثناء ولادتي. 

اللهم حنّن قلبي على أمي وأبي، اللهم اجعلني بارّة بهما عند حسن ظنهما بل وأفضل، اللهم وارزق أمي وأبي جلسة في الفردوس على سرر متقابلة مع نبيك ورسولك وخيار عبادك، اللهم وسخّرني لخدمة خلقك حتّى يذكروا أمي وأبي بدعواتهم كلما ساعدتهم وقالوا "اللهم ارحم والديها، اكرم والديها، احسن لوالديها، وعلّي مراتب والديها في الدنيا والآخرة، اللهم واحفظ لها والديها فنعم ما ربّوا ونعم الابنة الصالحة"


ملاك المرغوب 
٢١/٣/٢٠١٥م
السبت؛ عيد ست الحبايب؛ عيد أهم انسانة في الكون <3