Sunday, March 29, 2015

مواقف عميقة في المستشفى - مريض، لا يُنسى!

أن تكون منسوبًا لأحد المجالات الصحية وأن يكون دوامك يوميًا في المشفى يعني أنك تقابل عشرات المرضى على الأقل في اليوم الواحد.. 

كل مريض له قصّة مختلفة، كل مريض يستحق منا كامل الاهتمام والاحترام، والأهم من ذلك أن كل مريض يمثل عائلة! يعني يمثل مجتمعًا كاملًا ولديه من الأحباب والأقارب والمعارف مالا يعد ولا يحصى.. 

من المرضى من تمر عليه وتنساه بعد ساعة، منهم من تنساه بعد يوم أو أسبوع أو شهر حتى ومنهم من يعلق بذاكرتك للأبد! يمكن جدًا لمريض أن يغير نظرتك للحياة وأن يجعلك تقضي كامل يومك وأنت تفكر.. 

هذا ماحدث لي اليوم.. تحديدًا حين قابلت مريضًا بالسرطان لأخذ التاريخ المرضي منه، هذا المريض جعلني أغرق في دوامة من الأسئلة.. 
هل أنا قادرة على مقابلة مرضى مشخصين بأمراض لم نكتشف علاجها حتى اليوم ولا شيء في يدنا غير الانتظار أو اعطائهم مسكنات للألم؟ 
هل أنا قادرة على أن أكون طبيبة في المستقبل وأنقل خبر تشخيص بمرض سيؤثر على المريض وعلى كل من حوله؟ 
هل أنا قادرة على نقل خبر وفاة إحدى المرضى لعائلته؟ 
هل أنا قادرة على إخبار مريضي الذي قضيت معه أكثر من سنين في العلاج والآن اكتشفنا أن كل العلاجات فاشلة؟ 
هل سأكون قادرة على الاستيقاظ كل يوم لأقابل مرضى من خلفيات متعددة.. منهم الغني الذي بإمكانه أن يسافر للعلاج وأن يمتلك فريقًا طبيًا مسخرًا لأجله فقط؟ وآخر يتوفى وهو ينتظر أن تنتهي معاملته ليتم ادخاله لأحد المستشفيات الحكومية لأنه لا يملك في الأساس قوت يومه فكيف يملك ثمن العلاج؟ ومريض آخر يزور الطوارئ كل شهر لأن الطبيب نسي أن يسأله عن حالته الاجتماعية وصرف له دواء باهظ الثمن والمسكين لا يقدر على شراءه؟ ومريض آخر يئس من كل شيء ولا يريد أن يكمل جلسات علاجه ويود الموت في سلام بينما عائلته تبكيه ولم تفقد الأمل بعد؟ ومريض آخر بقدر تفائله وحبه للحياة وإصراره على محاربة المرض إلا أن مرضه لا نتيجة له سوى الموت؟ ومريض آخر ينتظر زيارة من أهله، ينتظرهم بشوقٍ وكل يوم يسأل عنهم وللأسف هم تخلوا عنه في أشد حالات حاجته؟ ومريض آخر في غيبوبة لسنين طويلة وعائلته تزوره كل يوم وتدعي الله ولم تيأس ولم تستسلم بعد؟ 
هل أنا فعلًا اخترت الطب من أجل هذا؟ أو هل فكرت يومًا في أن الطب سيكون قاسيًا ومؤلمًا لهذا الحد؟

المريض الذي قابلته اليوم كان في العشرينات من عمره، بلا أي مقدمات ولا أي عوامل خطر شُخّص بالسرطان في مراحل متقدمة، خلال بضعة أشهر فقط تغيرت حياته بالكامل وانقلبت رأسًا على عقب. للأسف لا يملك ثمن العلاج ولذلك لجأ لأحد المستشفيات الغير مؤهلة وأجرى عملية استئصال للورم ولم تكن ناجحة فاضطر للذهاب لمستشفى آخر وللأسف حدثت مضاعفات بعد العمليه جعلته يلازم المستشفى أكثر من شهرين.. 
السرطان الذي شخص به غير قابل للعلاج، وكل الذي بيد الطبيب -حتى الآن- هو أن يخفف ألمه بالأقراص وأن يجدول له المزيد من الجلسات الاشعاعية والعلاجية.. 

ونحن نناقش حالته مع الاستشاري، شعرت بالحزن، لأني ضعيفة جدًا ولا شيء بيدي سوى مشاهدته وهو يتألم للباقي من عمره. خطر على بالي ألف موقف وموقف، عائلته، أحبابه، زملاءه في العمل وقائمة لا تنتهي! 
لعنت في نفسي المرض ألف مرة، لعنت الخوف والضعف وفي لحظة ما فكرت "ليش حطيت نفسي هنا؟ ليش اخترت ادخل طب؟ ليش ماأحوّل عشان محا أقدر أتحمل" 

من ألطاف الله بنا أنه يرسل لنا رسائل من خلال مواقف تذكرنا بأنه معنا، إحدى الرسائل هذه كانت اليوم، حيث وصلت للجزء السادس في ختم القرآن الكريم وتحديدًا لسورة المائدة وبينما كنت اقرأ وصلت للآية الثانية والثلاثون في قوله تعالى (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعًا) وقفت عند الآية وصرت أبكي، بكيث مثل طفلة- حرفيًا-، بكيت لأني برغم ترديدي لهذه الآية دومًا إلا أنها أول مرة تلمسني بهذا الشكل، كل الأسئلة التي خطرت في بالي وجدت إجابتها هنا، أنا لا أريد أن أقتل نفسًا بغير نفس ولكني أريد أن أحيي النفوس من حولي! إن كان يحزنني أن بعض الأمراض لم يكتشفوا لها علاجًا بعد، إذن أنا سأعمل جاهدة على اكتشافه! صحيح أن الفكرة تبدو جنونية ولكنها ليست مستحيلة! ثمة أمراض كثيرة كانت تهدد البشرية والآن تم القضاء عليها تمامًا لأن الأشخاص آمنوا بفكرتهم وعملوا جاهدين لأجل تحقيق الهدف وحققوه. لا يهم كم زمنًا سيستغرق هذا الاكتشاف أو كم شخصًا سيعمل عليه أو كم فشلًا يسبق النجاح، المهم أنه سيتحقق في الأخير بإذن الله لا محاله. 

كل الأسئلة وجدت إجابتها، وصرت أقول لنفسي 
كل يومٍ سأستيقظ في الصباح وأنا متفائلة لأني أعمل جاهدة في مجالي، ويوجد آخرون يعملون بجهد وجد في مجالاته وسنكمّل بعضنا ونتعاون
كل يوم سأكون على يقين بأنه مثلما سخّرني الله فإن الله سخّرك أنت وسخره هو وسخرها هي وسخر الجميع لأجل قضية ما. 
كل يوم سأكون مؤمنة بحلمي، لن أسمح لأي شخص في العالم بأن يسرق مني إيماني أو أن يزعزع ثقتي فيه. 
وصحيح أني سأقابل في المستقبل مرضى لا يمكن علاجهم سأقابل أيضًا مرضى سأكون سببًا بعد الله في شفائهم. 
وصحيح أيضًا أني سأقابل عائلات أخبرهم بوفاة شخص عزيز لديهم سأقابل أيضًا عائلات أخبرهم بنجاح العملية أو أبشرهم بقدوم فرد جديد للعائلة. 

الأحداث السيئة توجد، والأحداث الطيبة توجد أيضًا، الفرح موجود والحزن أيضًا موجود ولكن وحدك من تقرر كيف تتعامل مع كل حدث وكيف تتخطاه. الحزن لا يدوم والسعادة لا تدوم، ولكن رؤيتك أنت ستقرر هل تتراجع وتستسلم أو تكمل في طريقك وتحارب كل شيء وتصل! 


اللهم اكتب الشفاء على كل المرضى وخفّف عنهم وعلّي منازلهم في جنّتك بقدر صبرهم على الألم وإيمانهم بك. وارزقنا نحن الهمة واللطف في مساعدتهم ولا تحرمنا جميعًا من الأجر. 


* لقراءة سلسلة مواقف عميقة في المستشفى:
رابط الجزء الأول: malakmarghoub.blogspot.com/2014/11/blog-post_11.html 
الجزء الثاني (بين العلم والانسانية): malakmarghoub.blogspot.com/2014/11/blog-post_21.html


ملاك المرغوب 
الأحد ٢٩ مارس ٢٠١٥م
١٠:٣٠ مساء 

No comments:

Post a Comment