Tuesday, October 27, 2015

أنا.. مريضة..

أنا ملاك، طالبة في السنة الخامسة في كلية الطب والجراحة.. كل حياتي متمحورة حول أني سأكون -بإذن الله- طبيبة المستقبل التي تعالج المرضى.. 
إلا أن الموازين انقلبت، وصرت أنا المريضة! 
ليس خطبًا جللًا فمرضي ليس إلا فقر دم حاد ونقص شديد في الفيتامينات والمعادن والصراحة أني مازلت مصرة على رأيي وأنه ليس مرض! هي مجرد أرقام تزداد وتنقص ويبدو أن أرقامي نقصت بما فيه الكفاية لتسبب لي مشاكل صحية أعتقد أنها أكبر من عمري قليلًا.. يعني على سبيل المثال: صارت تؤلمني ركبتي لدرجة أنها تمنعني من المشي، وإذا مشيت رغمًا عن الألم: أعرج! 
عمومًا.. أزعجني شعوري بعدم قدرتي على المشي أكثر من شعوري بالألم الشديد -شخصيًا أنا إنسانة متصالحة مع ألمي الجسدي ويمكنني احتماله والتعايش معه بلا خصام ولكن القضية الآن اختلفت وتحولت من مجرد ألم أشعر به لألم يمنعني من المشي- حقيقةً أرعبتي فكرة عدم مقدرتي على القيام بالأشياء التي لطالما كان من الطبيعي جدًا أن أقوم بها لدرجة أني واستغفرالله على هذا الذنب أنسى أن أحمد الله عليها، أرعبتي فكرة أن أُعاق حركيًا لا سمح الله فلا استطيع المشي وبدأت الأفكار السيئة كلها تجول في خاطري ليل نهار،، صبح مساء،، وأخيرًا استسلمت وتوجهت للمشفى!  

هذه المرة أنا المريضة.. ومن شدة غرابة الدور لم استطع ممارسته وعُدتُ لكوني طالبة الطب التي تتعلم وتتدرب، فصرت أكرر الأدوية والجرعات التي تقولها الطبيبة وأحفظها وأحاول ترتيبها بطريقة معينة ليسهل علي استرجاعها لاحقًا إذا سُئلت عنها ووحده الله يعلم كم كان صعبًا علي أن لا أكتب الخطة العلاجية والتاريخ المرضي في الدفتر وأسجل الملاحظات المهمة! 

اليوم أخذت الجرعة الأولى من الحديد، كنت وحدي، دائما أكون وحدي في المشفى ولكنها المرة الأولى التي أكون فيها مريضة! رغم أني صديقة جيدة للحُقن وأحبها ولا أخاف منها -حينما كبرت طبعًا- إلا أن خوف صغير جدًا كان يكبر بداخلي ويتكاثر.. 
كان يومًا عاديًا على الكل إلا أنه كان مختلفًا بالنسبة لي، حفظت كل الوجوه التي قابلتها، كل الكلمات التي قيلت لي.. ابتسامة الممرضة الأولى ولا مبالاة الممرضة الأخيرة.. صوت الطبيبة وهي تتحدث معي.. موظف الاستقبال الذي وجّهني للعيادات والبرد الشديد الذي شعرت به وهو يتسرب لجسدي وكأنه ينخر عظامي من شدته!  

لم أكن أود الذهاب للموعد، فعلًا لا وقت لدي الآن لصحّتي! كل شيء بخير.. أو كل شيء يمكنه الانتظار حتى أجد الوقت المناسب للتصرف فيه تجاه هذه الأعراض المزعجة.. لم الآن تحديدًا اشتد الألم؟ يالله أكره مذاق الفيتامين السيء الذي لا يختفي حتى في العصير الذي تقول والدتي أنه يخفي الطعم.. وأكره حبة الكالسيوم التي أمضغها كل ليلة قبل أن أنام.. كأني عجوزٌ لم يبقَ لها من العمر شيء! وأكره المواعيد الطويلة هذه.. إلى جانب أني لست مريضةً أصلًا! 

حكم القوي على الضعيف! ذهبت وكانت ساعتين مليئة بالصمت وبالسكون.. بحديث مع النفس.. بتفكر وتدبر وحمد.. كل هذه المواعيد المتتالية التي تسرق من وقتي والتي أتذمر منها، شخص آخر في جغرافية أخرى في العالم يتمنى أن يحصل عليها أو على الأقل على موعد واحد فقط.. كل الأدوية التي لا استطعمها شخص آخر لا يستطيع أن يتذوقها حت،،  وتكلفة العلاج في واحدة من أهم المنشئات الطبية شخص آخر أيضًا لا يستطيع الوصول لها حتى في أجمل أحلامه الوردية.. 

أنا مليئة بالحياة وبالتفاؤل وبالرضا، وأقول أنا لأني أحب أن أنسب السعادة لي وأحب أن أنسبني للسعادة والفرح! وحينما تمر علي فترة أكون فيها أقل تفاؤلًا وسعادة وأكثر ضيقة وتذمر أعرف أن شيء ما سيحدث وسيجدد علاقتي بالله! العلاقة التي تبرد لأني أنشغل وأنسى أنه سبحانه يدبر الأمر كله ويكون علي فيه أحن من نفسي.. لك الحمد سبحانك كيف أن مرضي الذي لا أعتبره مرضًا اعتبرته طريقة جديدة للتدبر في نعمك علي، وطريقة جديدة أحبك فيها أكثر وأشكرك وأحمدك فيها على نعمك أكثر.. صحتي، عافيتي، نومي، دراستي، انشغالي وحياتي كلها نعم عظيمة من عندك فلا تحرمني خير ماعندك بسوء ماعندي.. وأنا لا أطلب إلا رضاك يارب فارضَ عني لأرضى.. 

لم أكن أخطط للكتابة عن شيء ولكنها خواطر جالت ببالي وأحتجت أن أكتبها.. كيف يأتينا لطف الله حتى في الشدائد؟ كيف تكمن الإلهامات العظيمة في الابتلاءات التي نصبر عليها؟ وكيف أن المؤمن دائمًا أمره كله خير! 




ملاك المرغوب 
الثلاثاء، ٢٧-١٠-٢٠١٥ 
٩:٠٠م 
جدة، السعودية 

No comments:

Post a Comment