Saturday, February 11, 2017

مواقف عميقة في المستشفى | صوتٌ، لا يسمعه أحد غيري!

يلزمك دافع قوي كالألم الشديد مثلًا لتشاركه مع طبيبك وتشكو إليه أوجاعك.. بينما تلزمك شجاعة كبيرة حتى تبوح له بأنك تسمع أصواتًا لا يسمعها من حولك، وترى أشياء لا يرونها، وتشعر بأنك محارب من الكل وأن أحدهم يدسّ السم في أكلك! وتلزمك جرأة أكبر حتى تستوعب أصلًا أن كل هذه الأشياء لا صحّة لها، وكلها مجرد خيالات وضلالات في ذهنك.. لا أساس لها.. ولا وجود لها.. إلا داخل رأسك! وحدك أنت ولا أحد غيرك يسمعها أو يراها! 

سيناريوهات عديدة مرّت عليّ أثناء دراستي للطب النفسي.. نهايتها كانت بأن قواي خارت أمامي، صوتي صار ضعيف لا يُسمع وكل تفكيري انصبّ في نقطة واحدة: لك الحمد ياربّ على نعمة العقل والعافية! ربّ لا تُشقي بي أهلي.. 

أحد المرضى، كان السبب الرئيسي في حالته المرضية هو تعاطي المخدرات. 
طفولته كانت جيدة.. علاقته مع أبويه وأهله كانت جيدة.. دراسته، تعليمه، وظيفته وكل شيء في حياته كان جيد.. كان ممتاز! غير أن أصدقائه حطّموا حياته كلها. 
ماذنب أبويه؟ ماذنب أهله؟ ماذنب كل الليالي التي سهروا فيها ليطببوه إذا مرض وليمسحوا دمعه إذا بكى وليقرؤا عليه آية الكرسي، لينام.. 
ماذنب كل الأيام التي خرج فيها والده تحت لهيب الشمس يشقى من أجل راحته.. يكسب لقمة العيش ليوفر له حياة كريمة، تليق به.. 
ماذنب كل الاحتياجات الضرورية للمنزل التي تخلّوا عن شرائها من أجل لعبة له! 
ماذنبهم.. أ لأنهم حلموا في يومٍ أن يصبح ابنهم هو الأفضل؟ وسعوا من أجل هذا الحلم؟ 
في لحظة، انهدم كل شيء.. من أجل لحظة ضعفٍ وهوى.. وأصدقاء سوء مثل نافخ الكِير، يحرقوا الثياب وتجد منهم ريحًا خبيثة.. 
تمهّل! 
لو أنت طبيب فتمهل، لا تحكم عليه بهذا الشكل! لا تستفزك القصة ويغيب عنك الجوهر! 
نحن كأطباء لا نلوم المرضى على مرضهم.. ولا نحاسبهم على أخطائهم مهما كبرت، نحن لسنا مخولين بالحكم ولا بالحساب ولا بتصنيف الخطايا أصلًا، نحن أقسمنا على أن نعالجهم فقط، بغض النظر عن أي شيء آخر. 
كل هذه المقدمة التي بدت عاطفية، التي جعلتنا ولو للحظة نشعر بأن الشخص هذا مخطئ ويستحق العقاب لا نجعلها الفيصل بيننا وبين المرضى، أو أننا نحاول قدر المستطاع أن لا نجعل عاطفتنا هي التي تحكم تصرفاتنا وقراراتنا.. 
لكننا عاتبين على -بعض- المجتمع لأنهم لا يتقبلون حقائق بعض المرضى ويحكمون عليهم تبعًا لها.. ينبذونهم من المجتمع، يحرمونهم من الفرص الثانية لاثبات أنفسهم وإذا طلبوا المساعدة يتهربون منها كأنها حمل ثقيل لا يُقدر عليه.. أما نستطيع أن نكون فقط خير عون لهم؟ ونمد لهم يدنا بالعون ونسعى في مساعدتهم؟ إن كان هذا المريض أو غيره أخطأ في أحد قراراته فهذا لا يحتّم علينا أن نمتنع عن علاجه.. أو أن نجعله يشعر كأنه وصمة عارٍ وينغلق على نفسه ويرفض أن يتعالج.. إنه مثل أي مريض آخر يشتكي من علة، غير أنه يحتاج لدعم المجتمع كله كي يتخطاها بنجاح ولا ينتكس.. حقيقة، إن جلّ مايحتاجه،، فرصة أخرى وكثير من الصبر كي ينجح! 

المريضة الأخرى كانت تسمع أصوات أشخاص وتراهم، يتحدثون معها، يأمرونها بفعل أشياء وترك أخرى.. كم هو منهك أنك تسمع ما لا يُسمع.. وترى ما لا يـُرى، وأنت مؤمنٌ تمامًا بأنك تسمع الأصوات هذه.. وترى التصورات هذه.. لأنها موجودة! لأنها حقيقية! لأنها فقط.. داخل رأسك! 

أن تصبح حياتك سيئة لدرجةٍ تتمنى فيها الموت.. تفكر فيها بالانتحار.. أو تتمنى الموت لأحدهم.. لأنك تظن أنه يسيء لك.. أن تعيش عمرك كله وأنت مؤمن بأنك لست مريضًا، ولا تشتكي من أي علّة.. أن تكف عن تناول أدويتك لأنك لست مريضًا فتدخل في نوبة أشد من سابقتها.. أنك تظن أن العالم كله خاطئ وأنت الصواب الوحيد في العالم كله.. أن تظن أن الأفكار التي تفكر بها هي أفكار شخص آخر، أو أن أي شخص عابرٍ يستطيع قراءة أفكارك.. أن تشك في كل شيء حولك، حتى أقرب الناس لك وتظن أنهم يخططون لإيذائك.. أن تتحدث بطريقة لا تُفهم، والكل يضحك عليك.. أن تغسل يديك عشرات المرات وتكرر كلماتك وجملك مرة بعد مرة بعد مرة.. أن تصاب بنوبات من السعادة المفاجئة تتبعها نوبات اكتئاب حادّة.. أن تكون غير واعٍ لتصرفاتك فتتصرف بشكل مخجلٍ ولا تدرك ذلك.. أن تشتكي من مشكلة بداخل رأسك لا أعراض لها على جسدك.. يفهمك الطبيب تمامًا، وفي المقابل يجعلك المجتمع الذي تعيش فيه أضحوكة.. ويقول عنك.. هذا “نفسية!" 
في "عنبر المجانين".. كل شيء خيالي: حقيقة.. 


~


قد نقلل من أهمية أو خطورة الأمراض النفسية؛ لأننا لا نراها.. أو لا نشعر بها.. لكنها موجودة! في المرة المقبلة التي تسمع فيها قصة مثل هذه القصص أرجوك لا تحكم على الشخص، لا تلمه أو تحلل حياته باجتهادك الشخصي! تذكر أن القصة لها أطراف كثيرة لم تسمع منهم تفاصيلها وأنك لا ترى إلا جزء صغيرًا من الصورة! 





ديسمبر،١٦،٢٠١٥ 
ملاك المرغوب.. 

Wednesday, January 4, 2017

ليلة رأس السنة: حمراء بالدم.

مضى عام ٢٠١٦ بكل جروحه ومواجعه، بكل الإرهاب والترويع الذي حصل، بحوادث الدهس والإنفجارات والمجازر والقتل.. بصوت المدافع وصرخات الأطفال والدم الذي صار ماءً وماعاد دم! 
وبكل لحظات السعادة التي عشناها فيه ودوّنّاها في مذكراتنا وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي قلوبنا حتى.. 
وتمنينا جميعًا عامًا جديدًا سعيدًا بلا خوف ولا حرب ولا دمار.. 

فجائت الفاجعة أقوى من كل الأمنيات التي تمنّيناها بالسلام! 
طلق ناري وسفك للدماء لأشخاص كل ما عملوه أنهم ذهبوا لتناول وجبة العشاء في مطعم رينا، فذهبوا أشخاصًا عاديين ولم يخرجوا منه إلا شهداء عند الله سبحانه وتعالى.. وأما البعض من أصحاب القلوب المريضة -أو عفوًا من الذين لا يملكون قلبًا من الأساس- فلم يترحم عليهم ولم يُفجع لرحيلهم ولا للارهاب وللقتل بل انشغل وللأسف بالنوايا والوصايا وتقرير المصير والبعض حتى منع الرحمة عنهم وقذفهم وطردهم من الجنة وكأنه يملك مفاتيحها وقال أنهم كانوا في ملهى ليلي فهم لا يستحقون دعائنا وكأنه يبرّر للإرهاب والقتل! 

هل وصل البعض لهذه المرحلة من البؤس وانعدام الضمير؟ أرواح بريئة سُفك دمها بغير وجه حق وهم يقررون إذا كان من الصالح أن نترحم عليهم أو أن الأسلم أن نقذفهم ونلعنهم احتياطًا لكي ندافع عن حرمة الدين والإسلام. 

الإسلام؟ إن كان الإسلام سيزرع في قلبنا خصلة واحدة فقط فستكون السلام. أي سلام تتحدث عنه وأنت تقتل روحًا وتقرر مصير روحًا أخرى وأنت تقول الله أكبر! أي سلام هذا الذي روّعت به الآمنين؟ يتّمت الأطفال وحرمت كل شخص من حبيبه بحكم الدين؟ أهذا الدين الذي بُعث محمد  ﷺ ليقيم به العدل ويرفع الظلم عن العالم؟ لا أظن أنكم تعرفون الإسلام حقًا إذًا! 

إن كنتم تعرفون الإسلام، لكانت قلوبكم ذابت مع دموع أهاليهم عليهم، ٣٩ ضحية بريئة من مختلف الجنسيات والأديان والألوان سُفك دمها، بكت عوائلهم، لم يستقبلوهم هذه المرة استقبالًا حارًا بعناق وسلام بل استقبلوهم في النعش وبدأوا في العزاء.. 

إن كنت ماتزال راضيًا عن ما حدث، الموت لا يهزك ولا يهيبك، تحصد الأرواح البريئة من حولك في كل مكان وأنت تسأل عن ماهية ظروف وفاتهم حتى تقرر هل تترحم عليهم أم تلعنهم وتقول عليهم من الله مايستحقون فأعِد النظر في تفكيرك مرة أخرى واسأل نفسك مالفرق بينك وبين الإرهابي الذي حمل سلاحه ونفّذ الهجوم بدمٍ بارد وهو يقول "الله أكبر"؟ 


تعازينا لأهالي المفقودين، لكل الأشخاص البريئين الذين نحسبهم شهداء عند الله.. شهد سمّان، لبنى غزنوي، نورة البدراوي، محمد وأحمد الفضل وكل ضحايا الإرهاب، اللهم ابدلهم دارًا خيرًا من دارهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واربط على قلوب أهاليهم بالصبر والسلوان.. 


ملاك المرغوب 
٤-١-٢٠١٧ 

Sunday, December 25, 2016

وقت الوفاة: الثامنة والنصف صباحًا

الثامنة صباحًا، بدأ يومنا في الطوارئ، كنت أنا وزميلتيّ في منطقة الفرز، نعاين الحالات بشكل أوليّ ونفرزها.. كان اليوم عاديّ جدًا في النصف ساعة التي انقضت، وفجأة، وصلت سيارة فيها أشخاص يصرخون، سرعان ما أحضر الممرضون السرير ووضعوا فوقه المريضة وفي لمح البصر نقلوها للغرفة، دُقّ جرس الطوارئ وصوته ارتفع في المكان، كل الأطباء توجهوا للغرفة وتوجهنا نحن معهم.. 

عند باب الغرفة، يقف رجل وسيدة.. الرجل صامت وعينيه مليئة بالدموع وهو يجيب على أسئلة الطبيب، السيدة تطلبنا أن ندعي لوالدتها و تبكي! 
في الغرفة كل شخص يقوم بمهمة ما بدقّة وبتركيز وبسرعة! 
في ثوانٍ معدودة بين سؤال الطبيب "متى فقدت الوعي والدتكم؟" وبين صورة الأشعة التي تؤكد أن انقباض القلب توقف وأن بؤبؤا العينين لا يتجاوبان.. صار الطبيب يهدئهم ويذكرهم بآيات الله، أُعلنت حالة الوفاة وخلت الغرفة من الكل ماعدا من السيدة التي تقبّل أقدام والدتها، يديها، رأسها وتبكي... 

وأنا.. 
هذه أول مرة أكون فيها قريبة من الموت لهذه الدرجة، الموت الذي يكون راحة لهم وتعبًا لنا؛ لأنهم يرحلون عند الأحنّ ونبقى نحن هنا..  

وقفت في مكاني كأني صنم! لا أتحرك، ولا أفعل أي شيء، زميلتي صارت تهدئ السيدة وتطبطب عليها، حاولت أن أهدئها معها قليلًا وبعد دقائق خرجتُ مسرعة للمكان الذي كنت فيه، تابعنا فرز المرضى وكأن شيء لم يكن.. 
لكن الحقيقة أن كل المشاعر كانت تثور في قلبي ولا تسكن، وأنا بكل قوة أحاول أن أدفنها في داخلي، أحاول أن أبدو قوية وأبتسم لكل المرضى.. 
الموت دائمًا يهزمني، دائمًا يذكرني بجدتي التي رحلت ويجعلني أبكي ولكني لن أبكي هنا، سأبتسم. وليعين الله قلبي الذي يبكي بصمت ويشهق.. 

بعد ساعات، أخبرت صديقتي "صِبا" بما حدث، عانقتني طويلًا وأخبرتني أني قوية! أعتقد أن عناقها هو الذي جعل يومي ذاك يمر بسلام حتى عدت للمنزل.. 

الشيء الذي جعلني أتذكر هذه الحادثة الآن أني اطّلعت على مدونتي وقرأتها مرة أخرى.. مرّت أكثر من سنتين على تدوينتي الأولى في سلسلة مواقف عميقة في المستشفى.. ومرّ على المشوار في كلية الطب أكثر من ما بقي.. ولا زلت في بعض المواقف أسأل نفسي: هل كان اختياري صحيح أو أنّي تأخرت جدًا في هذا السؤال؟ 

"اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين وعلّي منازلهم وارزقهم لذّة النظر لوجهك الكريم واربط على قلوبنا بالصبر وهوّن علينا الحياة بدونهم حتى نلقاهم ونلقاك، آمين" 

الاثنين، ١٢:٢٠ ص 
٢٦ ديسمبر ٢٠١٦. 



Saturday, November 12, 2016

عن الانتظار

مدخل/ 
وأنت تمشي وحيدًا خائفًا في طريق طويل.. قلبك مذعور،
وفكرك مشتّت وقلق.. إذ بك تلمح نجمة تلمع في كبد السماء 
فدقّقت النظر ورأيت معها أخريات يشعّون ضوء ملأ السماء كلها 
وزيّنها وأنت غافل عنه! فأخذت تفكر مليًا في الحياة حولك محتارًا  
ويزيد من حيرتك حيرة صوت أم كلثوم وهي تغنّي 
بشجن: أغدًا ألقاك؟ ياخوف فؤادي من غدٍ… 


~


عن الليالي الكثيرة التي مضت عليك وكان الأرق فيها ضيفك الثقيل الذي تعدّى قدرتك على إكرامه في الضيافة! 
عن الآهات التي كتمتها أمام الناس لأنك مللت من أسئلتهم التي تتكرّر ومن أجوبتك التي لا تتغيّر.. 
عن الأحداث الكثيرة والسريعة التي تحدث من حولك فتجعلك تتساءل: متى يحين دوري؟ متى سأكون أنا محور الحدث؟ 

في كل مرة يسألونك: متى تتخرج؟ متى تتوظف؟ متى ترتبط؟ متى تنجب أطفالًا؟ متى تغير وظيفتك؟ متى تحصل على ترقية؟ متى تعرف ماذا تريد أن تصبح في هذه الحياة؟ متى ستلحق بالقطار ليأخذك نحو الجانب الآخر؟ 
ثم تتنهد في داخلك، تحاول أن تتنفس كل الهواء الذي تقدر عليه حتى يملأ رئتيك و تزفره ببطء كي تتنفس الصعداء قليلًا وتمنح نفسك ثوانٍ معدودة تمنعك من الانفجار، ترسم ابتسامة صفراء على شفتيك وتجيبهم: الله أعلم. 
وكأن القطار الذي يقصدونه يمنحك تذكرة تنقلك للجنة! وكأن القطار هو الغاية من هذه الحياة وهو المراد والمنى والمنتهى! 

متى ستقتنع أن انتظارك للأشياء التي ستحدث ذات يومٍ لا محالة يسلب منك حياتك! يسلب منك الألوان التي تباين رمادية الأشياء من حولك، يسلب منك لمعة عينيك التي تشع كلما حدث أمر يسعدك على حين غفلة -ولم تكن تنتظره- ! 
متى ستكف عن توجيه هذه الأسئلة لنفسك.. متى ومتى ومتى؟ 

ستتخرج، ستحصل على وظيفة تحبها وتتقلد فيها أعلى المناصب -إن أردت- وربما ستنشئ شركتك أنت، ستقع في الحب وترتبط بشريك روحك، ستنجب منه أطفالًا تراهم بحجم قبيلة في عينيك! ربما اليوم، ربما غدًا أو بعد غد، أو ربما بعد سنين تعد أو لا تعد. فكفّ عن العد والانتظار من اليوم واستمتع باللحظة! 

تعاقب الليل والنهار: حدث تعيشه كل يوم، أليس جديرًا بأن يمنحك بعض السلام؟ إنه أكبر دليل على أن الليل وإن طال فسيعقبه صبحٌ يبدد وحشته وظلمته.. الحزن وإن سكن بالجوار ليالٍ فالفرح سيشتّته ويحول غيمته السوداء لغيمة تحمل مطرًا يغسل كل الحزن الذي استوطن قلبك.. والقطار الذي أرّقك وقضّ النوم من مضجعك إنه في حركة مستمرة للنقل لا يتوقف! إن لم تلحق به اليوم فيوجد دومًا متسع من الوقت له فلا تقلق! وبإمكانك دومًا أن تسلك طريقًا آخر غير طريقه؛ فلا تبتئس وأنت تنتظر تذكرتك. 

لا تنتظر الغد وتنسى يومك هذا! أعطِ كل يومٍ حقّه من عمرك وخطّط لغدك. عِش الحياة بتروٍّ، اركض خلف أحلامك وخططك بثباتٍ ولا تستعجلها، توقف عن تأجيل سعادتك للأحداث المهمة -في نظر الناس- لأنك في الأخير ستكتشف أن السعادة الحقيقية تجدها أيضًا في التفاصيل الصغيرة التي ستوصلك لغايتك. 
هي حياة واحدة ياصديقي فلا تضيعها وأنت تنتظر! 




مخرج/ 
في ذات الطريق الذي كنت تمشي فيه خائفًا، حائرًا، قلِقًا،
تبحث عن أجوبة لأسئلتهم.. سكنت الرهبة التي تملّكتك
وتصاغر الخوف في قلبك واطمئنت روحك وابتسمت من النجوم..
وعلى صوت الست ينطرب قلبك بالغناء وتغني معها..
 وغدًا للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا.. قد يكون الغيب حلوًا..
إنما الحاضر أحلى!



ملاك المرغوب
جدة-السعودية
السبت
 ١٢-١١-٢٠١٦
٩:١٢ مساءً

Tuesday, October 4, 2016

مواقف عميقة في المستشفى | أصدقائي.. طيور في الجنة!

أصدقائي الذين أحبهم، الذين سرقوا جزء كبير من قلبي والذين قضيت معهم أوقاتًا طويلة في اللعب، قراءة القصص، بناء بيوت من الرمل السحري واللعب بالايباد حتى ينتهي شحنه! سرقوا قلبي و رحلوا عني وصاروا اليوم طيورًا في الجنة.. 

بعدما كانوا أجسادًا صغيرة هزيلة، تُحقن بالإبر كل يوم وتقاوم المرض وينهكها العلاج الإشعاعي والكيماوي، بعدما تساقط شعرهم وغدوا يبحثون عن قبّعات حيكت لهم خصيصًا حتى لا يشعروا بأنهم مختلفين عن أقرانهم.. بعدما قضوا من عمرهم القليل أكثره في زياراتٍ وتنويم في أجنحة المستشفيات المختلفة.. رحلوا عني وتركوني دون أن أودعهم! 

في رحيلهم، في كل مرة أعرف فيها أن أحدهم ودعني ورحل، ينقبض قلبي ويؤلمني، أبكي بلا صوت.. أو ربما دموعي تنهمر رغمًا عني.. لا أود أن أبكي لأنهم رحلوا لأنني سأكون أنانية جدًا؛ وكأني أفضل بقائهم مرضى لي عوضًا عن راحتهم الدائمة في الجنة.. ولكني أبكي رغمًا عني.. لأنهم أصدقائي! لأني قضيت معهم وقتًا طويلًا جدًا، عرفت قصصهم وعرفت عائلاتهم، لعبتهم المفضلة وكل شيء عنهم.. 

أحبهم؛ أحب عطفهم على بعضهم البعض، أحب كيف يتشاركون اللعب وكيف حين يبكي أحدهم ويمتنع عن تناول الدواء كلهم يأتون ليشجعونه.. أحب خوفهم على أمهاتهم وخوف أمهاتهم عليهم.. أحب كرههم ليوم الخميس لأنه يعني أن الجمعة والسبت سيفتقدون وجودنا،  وأحب كل يوم إجازة ذهبت فيه لأزورهم وألعب معهم.. لأنهم أصدقائي! 

أتألم في كل مرة ترتفع فيه حرارة أحدهم أو حينما يرجع أحدهم للمستشفى بقدر اشتياقي لهم، تقتلني دموعهم وصمتهم الذي يتبع جلسات علاجهم وسؤالهم المتكرر متى نعود للمنزل يا أمي؟ 

كل هذه القصص أصبحت اليوم ذكريات، لم أعد أزور جناح الأطفال لأنهم لم يعودوا فيه.. ولم أعد أذهب لمحل الألعاب لأبحث عن لعب لهم، لأنهم ليسوا هنا اليوم.. لم أعد أبحث عن قصص مناسبة لأحكيها لهم.. ولم أعد أهتم بشحن آيبادي لأنهم ليسوا هنا ليلعبوا به.. 

أصدقائي الصغار رحلوا.. بعد ما علموني أعظم الدروس في الصبر والحب والرضى.. صاروا طيورًا في الجنة اليوم.. وأعرف أنهم بخير.. وهذا ما يخفف عليّ ألم فراقي لهم.. أحبكم.. مهما بدوتم بعيدين عني إلا أنني أعلم أنكم تسمعوني.. وأنكم تشعرون بحبي لكم.. 

*اللهم اربط على قلوب أمهاتهم وأهاليهم بالصبر وخفّف عنهم وجع الفقد والحنين.. اللهم وأشفِ وعافِ كل المرضى وامسح عليهم بحنانك و أكرمهم بالعافية والصحة يا أكرم الأكرمين* 


الثلاثاء
٤/١٠/١٦ 

Monday, June 13, 2016

جُنون

ولكنها لم تكن المرة الأولى التي فيها نلتقي! 
اعتراني خوف أو ربما خجل؟ من فرط شعوري معك أصبحت لا أميز بين مشاعري.. فإذا بكيت أظن أني سعيدة مرة وإذا بكيت أخرى فأظن أني أخشى الفراق الذي سيأتي لا محالة.. 

في المرات السابقة كنت كلما لقيتك تأملت وجهك طويلًا كأني أخشى من أن أودعه وأودّ أن أحفظ تقاسيم وجهك كلها عن ظهر قلب.. أنا العاشقة جدًا والتي سرعان ما ينقطع تأمّلها بقبلة تخطفها أنت من وجنتي فأضحك خجلًا وأعاود تأملي مرة أخرى بلا ملل ولا كلل! 
أحب أن أتصفّح وجهك كأنه كتاب عتيق، كتاب فيه أقداري المجهولة كلها، كتاب يحتضن اسمي بين صفحاته كعنوان رئيسي، كاسم البطلة ربما! 

من قبلك لم أكن أعرف بأن ثمة عبادة أسمها التأمل، ومعك صار تأمّل بديع خلق الله فيك عبادتي التي أحبها جدًا.. عبادتي التي تقرّبني من الله أكثر. ومن بعدك صرت أؤمن بأن التأمل مع وفي من نحب عبادة مقدسة، عبادة لا يبلغ تمامها إلا العاشقين. 

حينما تحتضن كفي كفك، أشعر وكأن العالم كله مضى خلفنا وأنا وأنت وحدنا في مكان قصيّ، مكان لا يصله أحد، بعيد جدًا.. دافئ جدًا.. مليء بنا.. الرعشة التي تسري في جسدي من بعد لمستك تتحول لنشوة من السعادة والحزن، كيف يجتمع الضّدّين في وقت واحد لا أعلم! ولكن الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أني أحبك بعد كل رعشة.. أكثر وأكثر! 

شوقي لك في حضرتك هذا وحده جنون، ولكن سيدي، أصل الجنون هو حين وقعت في حبك من المرة الأولى.. كل جنون بعده لا يُحتسب! هل يُلام المجنون على ارتكاب جنونه؟ محال. 

وجودي معك مدّني بالقوة أكثر، منحني الأمان وسلّحني بالإيمان أكثر، منذ أحببتك ارتفع صوتي بالدعاء أكثر، صرت أنادي باسمك أن يارب أحبه و أتضرّع كل ليلة لله أكثر. 
سبحان الله في حبك الذي زرعه في قلبي بلا كلفة والله أكبر، الله أكبر من كل شوقٍ يذيب قلبي لك، الله أكبر من كل خوفٍ يعتريني في غيابك ومن كل سعادة تحتضن قلبي في وجودك وتحنو عليّ.. لو كان العشق يزيد إيماني أنا لا أودّ أن أفيق منه ولو في حين غفلة. 

أحب كل شيء معك، حتى نفسي أحبها في وجودك، أنا ياسيّدي والله أحبني فيك أكثر! وفي غيابك أنا لا أحتاج نفسي.. نفسي الخاوية بدونك التي يفتق الحنين بها ويهزمها الشوق أكثر.. برغم أني امرأة قوية، امرأة لا يهزمها الحب ولكن حبك هزمني.. وصرت أحب حتى ضعفي معك واستسلامي في حضرتك تصوّر! 

هذه المرة.. حين التقينا.. كان كل شيء مختلف. 
الشوق في ازدياد واللهفة لا ترحم قلبي ولا قلبك.. بعد الغياب الذي دام زمنًا طويلًا خاليًا إلا من الرسائل وبعض الصور.. كان الصمت هذه المرة هو سيد الموقف.. بلا كلام فقط بالعناق وبالقُبل.. 
وعانقتك، واحتضنتك بين أضلعي، ونسيت كل الزمان المر وكل الشقاء والتعب ونبتت بين أضلعي زهرة بيضاء، ونظرت لعينيك طويلًا.. فنسيت كل العتب... 

آخر الكلام؛ وجهك مرآة سعادتي، لا تغب عني طويلًا حبيبي ولا تقطع عني الأمل. 


ملاك المرغوب 
١٣-٦-٢٠١٦، الاثنين ٦:١٥ صباحًا 
جدة، السعودية 

Tuesday, March 22, 2016

ضحكاتك: عُمري!

ترجع إلى المنزل، منهكة، كان يومها متعب وسيء لحدّ ما.. أول كلمة تقولها بعد السلام: فين ماما؟ ثم تشعر بالراحة! 

وهي نائمة.. تشعر بأن ثمّة طمأنينة تتسرب شيء فشيء لقلبها.. ثمّة أمانٍ يسكنها دون أن تعرف مصدره.. تحاول أن تفتح عينيها بقوة وتقاوم نومها.. ترى والدتها تصلّي الفجر.. تشعر بأن ثمة ملائكة تحرسها.. تدعو الله بقلبٍ صادق أن يديم أمها لها ولا يحرمها منها.. 

تبدو الحياة مليئة بالضغوطات، واجبات كثيرة لابد أن تسلمها، محاضرات أكثر لابد أن تدرسها، تشعر بالاحباط يسيطر عليها.. يمنعها من التفكير.. يشلّ حركتها ويدخلها في نوبة هلع.. تأتي أمها تقبّل رأسها بحنان.. تمسح على جبينها وتقول لها "معليش.. اصبري وكلو حيعدي.. حتقدري تسوي كل شي!" فتصدق أمها وكل شيء يحصل مثلما خططت له.. 

كل هذا وأكثر.. أمي.. 

إذا أردت أن أكتب لكِ فاخبريني بالله عليكِ يا أمي كيف أبدأ؟ كيف أطوّع أبجدية لا تحتوي سوى القليل من الحروف والكلمات التي لا تعبر عن الحب كما يجب؟ 
كيف أقول لكل العالم أني أحب أمي وأنا متأكدة تمامًا بأن كلمة حب قليلة جدًا في حق شعوري لها..! 

عن يديكِ التي تمسح جبيني بحنان.. عن عينيكِ التي تدمع كلما بكيت أنا من الألم.. عن عينيكِ التي أرى فيها سعادتي ومبتغاي حينما تكوني سعيدة.. عن غضبك عليّ لأني أسهر كثيرًا.. وعن قلقك عليّ في الصباح لأني لم أنل كفايتي من النوم والراحة.. عن سهركِ في كل اختباراتي ودعائكِ الكثير الذي بدونه لم أكن لأصل هنا.. عن اتصالاتكِ المتكررة حين أكون خارج المنزل.. عن يديكِ التي لطالما احترقت وأنتِ تعدّين لي أكلتي المفضلة.. 
عن كونكِ ياأمي، أعظم أمًا في الكون! 

لكِ سحر غريب..
بيديكِ دائمًا تحوّلين ألمي للا شيء،
وبكلماتكِ دائمًا تحولين غضبي لرضى.. 
وبوجودكِ في حياتي تحولين هذه الحياة العادية جدًا.. لجنّة.. 

كبرت ياأمي.. ولكني لم أكبر يومًا على حضنك، على التسلل ليلًا لسريركِ لتدلّليني أنتِ وأبي.. كبرت ياأمي وصرت حينما تبكين أنتِ أود أن أكون أمك أنا.. أود لو أن أملك قوى عظيمة مثلك تحول الحزن لفرح، أود لو أن أمسح على جبينك وأقبله فتصبحين بخير مثلما تفعلي معي.. أود ولو لمرة أن أحنّ عليكِ كما كنتِ ومازلت دائمًا تحنّين عليّ.. كبرت ياأمي وصرت أحتاجك أكثر.. صار مجرد وجودكِ يبعث الأمان في قلبي..
وجودك يجعلني أطمئن وأعرف أنه مهما حدث في الكون من حرب ودمار وظلام.. 
أنتِ سلامي وأماني ونوري.. 
أنتِ ترياقي ضد الألم والحزن والحيرة.. 
أنتِ ومن بعدك الطوفان ياأمي فلا أهتم.. 

مازلت عند إيماني.. بأن الله حينما خلق الظلام والظلم والألم والقسوة خلق قلبكِ كي يتم التوازن بين الأسود والأبيض! 
وأوجد فيكِ الرحمة.. الرحمة التي لا توجد بقلب مخلوقٍ سواكِ، الرحمة التي تجعلكِ تحتملين ألم الموت كي نحيا نحن! 
وأودع فيكِ الحب.. الحب الغير مشروط بشيءٍ إلا بالحب! لا ينقص أبدًا بل هو دائمًا في زيادة..
الحب الذي يجعلكِ تقسي علينا كي لا تقسو علينا الحياة.. فتصير حتى قسوتكِ ياأمي: لين ورحمة! 

في يوم عيدكِ ماذا أقول؟ 
أنتِ العيد ياأمي ولاشيء غير العيد أنتِ! 
أنتِ الجمال والبهاء والصفاء والكمال والنور والسكينة! 

كل عامٍ وأنتِ عيدي وتاريخ ميلادي، 
كل عامٍ وأنت أول وأهم وأعظم امرأة في الدنيا، 
كل عامٍ وحضنك هو أهم عنوانٍ في حياتي! 

خلاصة القول: 
ضحكاتكِ: عمري، 
وحبك تجاوز حدود كلماتي ولغتي.. 
أحبّك حتى إشعار آخر.. 
حتى أجد كلمة أبلغ من أحبك فأكتبها لكِ. 



ملاك بنت سامية صدّيق 
كُتبت بحب في ليلة عيد الأم٢١-٣-٢٠١٦م   💕