Thursday, June 18, 2015

و الآن، اشتاقتكِ عينيّ!

إلى جدتي التي رحلت منذ خمسة سنوات.. 
كتبت لكِ في رمضان السابق "بلا عينيكِ" 
وأتى رمضان هذا، مشتاق لكِ، لعينيكِ، لصوتكِ، لبسمتكِ وضحكاتكِ الطاهرة.. وأنا ياجدتي.. اشتاقتكِ عينيّ.. 

كنت متماسكة هذه السنة، قاومت دموعي ليلة رمضان، لم ترمش عيني بدمعة حتى، ظننت أني تغلبت على صدمتي بوفاتك وكل الذي فعلته قبل أن أنام هو أني استودعت ذكراكِ عند الله.. ولكن اليوم حينما دعى إمام مسجدنا "اللهم ارحم من رحلوا عنّا وما صاموا معنا رمضان وعلّي منزلتهم في جنتك" خارت قوّتي، صرت أبكي وأبكي وأبكي.. أبكي بصمتٍ لأني أقدس ذكراكِ، لأني أقدس ذكرى رحيلكِ، لأني أقدس ذكرى وفاتك ولا أحب أن يشاركني في حزني أحد! هذه جدّتي وحدي، هذه أمي وحدي، هذه حبيبتي وحدي، هذه جدتي التي تناديني "ملوكة" بصوتٍ رقيق ملائكي وهي وحدها التي يحبها قلبي كل يوم أكثر حتى بعدما أخذها الموت مني! لا أريد أن يشاركني في حزني عليكِ أحد، ثمّة أحزانٍ مقدسة لا نسمح للآخرين أن يشاركونا بها. 

جدتي: أنا أعلم أنكِ ترفلين في ثياب من سندسٍ وأنك تنعمين في الجنة، أنا أعلم أنك الآن مرتاحة جدًا، مطمئنة جدًا وسعيدة جدًا.. وهذا الشيء الذي يهون علي.. لأني كلما تذكرت وهنك وضعفك وقلة حيلتك في أيام مرضك طردت الذكرى من بالي بشدة.. لا أحتمل أن أتذكر ألمك.. لا أحتمل أن أتذكر أني لا أستطيع فعل شيء حيال مرضك! لا أحتمل أن كل شيء كان بيدي فعله هو رؤيتك ممدّدة على السرير الأبيض.. والكدمات تغطي يديكِ من أثر الإبر.. 

جدتي: أحبك! أحبك كل يومٍ أكثر من سابقه، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد نفيها أو إنكارها. تصدقين ياجدتي مازلت أحتفظ بمنديل شعرك الأبيض، مازالت رائحتك به! مازلت أحتفظ بمشط شعرك، مازلت أحتفظ بصورة تجمعني بك ومازلت أسترجع ذكرياتي معك كل ليلة لأني أخشى أن أنساها وأنساكِي.. 

جدتي: أكثر ما يحزنني أنكِ رحلتِي قبل أن تباركيني وأنا بالبالطو الأبيض، رحلتِي قبل أن أبشركِ بأني سأصبح طبيبة.. بأني سأكون بعد الله سببًا من أسباب رحمته.. بأني سأهوّن ألم العباد.. بأني سأراكِ في وجه كل مريضٍ يأتيني فأداوي نفسه بكلمتي الطيبة قبل أن أداوي جسده وبأني سأكون طبيبة إنسانة لأني ماكنت لأرضى لكِ طبيبًا في مرضك إلا الطبيب الإنسان ياحبيبتي.. وكل مرة أتحدث فيها مع مريض ويخبرني بأني لطيفة معه أبتسم وأتذكركِ وأقول اللهم اجعلني أعامل مرضايَ وأحبهم كأنّهم جدتي وحنّن قلبي عليهم كما حنّنت قلبي على جدتي.. 

جدتي: مازلت أتذكر آخر لقاءٍ بيننا.. مازلت أتذكر دمعتي التي نزلت على كفنك الأبيض الطاهر.. مازلت أتذكر ومازالت تقتلني الذكرى ياجدتي.. 
هل صحيح أنكِ رحلتي ياجدتي؟ أصحيح أننا افترقنا لأنكِ فقط تحت الأرض وأنا فوقها؟ أصحيح أن بضع حفنات من التراب تجعلنا نفترق؟ 
حينما توفّاكِ الله طلبت الله أن يلهمني كثيرًا طريقة أتذكركِ بها دون أن أحزن؛ فالحزن فتق قلبي! والحمدلله الذي ألهمني أن أدعي لكِ في سجودي.. في قيامي.. في صلاتي.. وقبل كل عملٍ صالحٍ أنويه.. بعدها فقط أصبحت الحياة ممكنة! لأن الأيام الأولى التي تأتي بعد فراق من نحبهم تكون أنفسنا مشغولة بالصدمة.. وبعدها نستوعب أن الفراق هذا أبديّ في حياتنا الحالية.. وندخل في دوامة اكتئاب عميقة لا نخرج منها إلا حينما يلهمنا الله بأن لنا لقاء في حياة أخرى ويقوّي إيماننا.. والدعاء الذي لازمني منذ فقدك "اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف بقلبي الذي يحب جدتي.. لا تجعل الحزن يستوطنه واملئني يقينًا وإيمان ورضا بقدرك" 



جدتي: أحبك للمرة المليار والمليون ولأبعد حدّ! واشتقتك أضعاف أضعاف هذا الحب! 


حفيدتك الصغيرة التي لن تكبر عن حبّك أبدًا: ملّوكة. *كما تحبين اسمي* ❤️ 


هذا دعائي لجدّتي، تذكروها في صلاتكم وأمّنوا معي.. 
"اللهم إن جدتي نزلت بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبحت فقيرة لرحمتك وأنت ياغني غنيٌّ عن عذابها. اللهم وأنت تعلم.. أنها لو كانت ضيفتي لأكرمتها، فأكرمها بجودك ياواسع الكرم ياجوّاد ياكريم ياقدير" 
"اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم وسّع قبورهم، نوّرها، اعطهم ولا تحرمهم وارزقهم لذّة النظر لوجهك الكريم، اللهم ارزقهم عفوك عند الحساب ومنزلة في الفردوس بجوار الحبيب المصطفى، وصلى اللهم وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين" 

اللهم آمين.